أكد خبراء ومراقبون أن المملكة العربية السعودية عصية على من يناصبها العداء، معتبرين التهديدات الإيرانية الأخيرة تعبيرا عن أزمة مستعصية يعانيها نظام الملالي في طهران، ويسعى إلى تصديرها إلى جواره الخليجي عموما. وقال الخبير الاستراتيجي الفريق الركن د. قاصد محمود، في حديث ل «اليوم»: إن «القيادة الإيرانية تعيش حالة من الانفصام والتأزم، إذ تتجاذبها -عمليا- قيادتان بمرجعيتين متباينتين». وبيّن د. قاصد محمود، وهو نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية أن «الشق الأول من القيادة الإيرانية يستند إلى قواعد روحانية متشددة، ويمتلك قوة عسكرية وميليشيوية، ويتزعمها علي خامنئي ومجموعة من الملالي والمتشددين، وهذا الفريق يتولى العمليات العسكرية خارج إيران». أما عن الشق الثاني من القيادة الإيرانية، فيقول د. محمود: «القيادة الحكومية، ممثلة بالرئيس الإيراني حسن روحاني ومجموعة الحكومة وجزء من مفاصل الدولة، ورغم أنه جزء من الحالة الإيرانية إلا أن هناك انفصاما وتباينا واضحين بين الفريقين». ويرى د. قاصد محمود، وهو استراتيجي مخضرم وعسكري محترف، أن «القيادة الروحانية الإيرانية المتشددة هي التي تطلق التصريحات المعادية، وهي في الوقت نفسه تتولى مسؤولية العمليات العسكرية الخارجية، لكن الانفصام الحاصل يدفع نحو عدم التعويل كثيرا على ما يصدر عنها، فهو يعبر بشكل أو بآخر عن أزمة التباين داخل النظام». وعلى مستوى الصراع، يقول د. قاصد محمود: إن «التهديدات الإيرانية المتتابعة لجوارها العربي، وبشكل مكثف ضد المملكة والمنظومة الخليجية، بلغت المربع الأخير، الذي تدرك طهران أنها لا تمتلك القدرة على حسمه لصالحها». ويضيف: «العقل الإيراني يدرك تماما أن تجاوز التصعيد للمربع الأخير ينطوي على مخاطرة كبيرة، تعجز حسمها لصالحها، خاصة في ظل تفوق المنظومة العسكرية السعودية والخليجية، على صعيدي النوعية والتكنولوجيا العسكرية». وفي تفسيره للتصعيد الإيراني الأخير، يقول د. قاصد محمود: إن «غاية ملالي إيران، من التصعيد الأخير، ليست الولوج في مرحلة المواجهة العسكرية، بل التأسيس لتسوية ما في الإقليم، خاصة في ظل التفوق السعودي والخليجي الواضح». ولا ينكر الفريق الركن د. قاصد محمود «وجود قوة عسكرية إيرانية قوامها الرئيس المنظومة الصاروخية»، ويعترف بأنها «قادرة على إلحاق الأذى بجوارها العربي، لكنها عاجزة عن حسم أي مواجهة عسكرية لصالحها». ويرى الفريق محمود أن «ميزان القوة الشامل، العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، يميل بشكل واضح لصالح المملكة والمنظومة الخليجية، هذا فضلا عن وجود نظام إقليمي ودولي يوفر دعما في مواجهة طهران». وحول ما تفكر فيه إيران، قال د. محمود: إن «قدرة إيران على تحمل الآثار المباشرة والبعيدة لحرب إقليمية أضعف بكثير من قدرة المملكة العربية السعودية والمنظومة الخليجية، وهذا يشكل عامل ردع لفكرة الاستمرار في المواجهة، ما يحيل التهديدات الصادرة عنها إلى ضرب من العنتريات، ولا تتجاوز تلك التهديدات، السياسية والإعلامية، غاية الاستهلاك المحلي». في المقابل، يرى الخبير العسكري اللواء د. فايز الدويري -الذي استطلعت رأيه «اليوم»-، أن «جملة من الحقائق، الجغرافية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، تجعل من تهديدات المسؤولين الايرانيين ضربا من المبالغة وانعدام الإدراك». وقال د. الدويري، وهو عسكري مخضرم عمل في عدة دول: إن «قدرة إيران على شن حرب مباشرة ليست حقيقية، فثمة حقائق جغرافية تجعلها عاجزة عن تنفيذ تهديداتها». ويشير اللواء الركن الدويري إلى «ميل الميزان العسكري لصالح المملكة العربية السعودية والمنظومة الخليجية بشكل حاسم، وهو ما يمكن قياسه بشكل دقيق عبر استحضار عناصر وأدوات القوة العسكرية والاستراتيجية لكلا الطرفين». وبشكل محدد، يقول د. الدويري: إن «القوة العسكرية الإيرانية تعتمد على القوة الصاروخية، وهي الشق الوحيد من عناصر القوة العسكرية التي تمتلكها إيران، بينما يظهر ضعفها على مختلف المستويات العسكرية الأخرى». ويلفت الدويري إلى «القوة البحرية الإيرانية، ممثلة في الزوارق الحربية الصغيرة» ويرى أنها «تصلح لتنفيذ هجمات شاطئية محدودة على سواحل الخليج العربي، إلا أنها تسقط استراتيجيا في ظل التواجد العسكري الدولي في مياه الخليج». ويذهب د. الدويري إلى الحسم ب «عجز إيران» عن تنفيذ أي من تهديداتها، فهي كما يقول: «لا تمتلك القدرة، بمختلف مستوياتها، التي تؤهلها لخوض حرب مفتوحة مع المملكة ومنظومة دول الخليج العربي». ويتمسك اللواء الدويري بأن «التهديدات الإيرانية، وما يصدر عن جنرالات الملالي، لا يعدو كونها تصريحات إعلامية تستهدف الداخل الإيراني، وهي أشبه بالقرقعة الفارغة منها إلى القدرة على الفعل والانتقال من التهديد إلى الحرب». ويساوي الدويري بين الخطرين الإيراني والإسرائيلي، ويرى أن «خطورة التهديد الإيراني تكمن في جاهليته، وعدم وعيه لمدركات عقلية توجهه وتحكمه، وهو ما يميز العدو الإسرائيلي على العدو الإيراني، ويجعل من هوجائية وعنجهية الأخير أكثر خطورة». ويؤكد د. فايز الدويري أن «إيران لا تملك مفاعيل القوة العسكرية، وهذا حاسم تماما، لكنها تملك مفاعيل المذهبية في المنطقة العربية، وهو ما يعتبر المشكلة الأهم في التصعيد والصراع الذي تشهده المنطقة برمتها». وينبه اللواء الدويري إلى «خطورة المفاعيل المذهبية»، ويرى أن ملالي طهران استطاعوا «جذب المأزومين من المكون الشيعي العربي، وألحقوهم بولي الفقيه في قم، ضمن محاولة لخلق أذرع لمشروعهم في الدول العربية عموما، وليس فقط الدول الخليجية». ويضرب الدويري عدة أمثلة على تلك «الأذرع»، ويرى أنها «ظهرت بشكل فظ في عدة دول خليجية، كمملكة البحرين، وجرى بترها سريعا، إلا أنها لا تزال تعمل في العراقوسوريا واليمن ولبنان، وصولا إلى الجزائر وغيرها من الدول العربية، وهي عمليا الأداة العسكرية الأهم في مشروع الهيمنة المذهبي - القومي الإيراني». ويلفت الدويري إلى أن «الأذرع المذهبية هي عمليا الأداة العسكرية الإيرانية الفاعلة، التي يمكن توظيفها في الإخلال باستقرار الدول، ودون الخوض في مجابهة عسكرية، ستكون فيها إيران الطرف الخاسر على المستويين القصير والمتوسط، وربما البعيد». وختم اللواء الدويري بالتنبيه إلى «خطورة المشروع الإيراني، الهادف ايجاد مجال حيوي عبر الهلالين الشيعيين، في شمال وجنوب المشرق العربي»، معتبرا أن «عاصفة الحزم وجهت ضربة قاسمة لهذا المشروع في جنوب المشرق العربي، وتعمل على إعاقة وصوله إلى مياه باب المندب، بينما في الشمال يشكل الصراع في سوريا التهديد الثاني للمشروع، إلا أن هذا الصراع مازال دون حسم».