كدت أن أسميه «الإرهاب اللغوي» ولكنني تراجعت خشية أن أنهى عن خلق وآتي ليس بمثله فقط ولكن ما هو مضاعف عنه، إضافة الى أني أحاول أن أقارب الموضوعية في حديثي حتى لا أشطح عن الحالة التي اجتهد وصفها، فالارهابي شخص غاضب بطبعه، ولكن الغاضب ليس ذلك الشخص الإرهابي بالضرورة، ولذلك قد تجد شخص يجمع من حوله على أنه رجل غضوب ويتحاشون استفزازه أو الاختلاف معه، ولكنه مع ذلك يحمل قلبا أبيض في داخله، يجعلهم يتلمسون العذر له، دون أن يخفوا انزعاجهم من لغته الغاضبة التي يوصل بها أفكاره لهم، مع ملاحظة أن اللغة الغاضبة إن حملت صفة جماعية قد تتحول إلى لغة عنصرية وبالتالي قد تكون صنوان للإرهاب اللغوي الذي يتوحش قبالة الآخر، والعكس ليس صحيحا بمعنى أن اللغة الغاضبة ليس بالضرورة أنها لغة إرهابية لأن الفرد أو الجماعة قد تلجأ إلى هذه اللغة المنفعلة لتدافع عن نفسها أو تصد هجوما عليها، وإن استخدمت المفردة الخطأ التي لا تتسق مع حقيقة الخلاف. هذا على مستوى الحياة العامة فنحن نواجه في الحياة نماذج شبيهة بذلك، ولكن ما هي قصة الغضب اللغوي لدى حملة الرأي من مثقفين وغيرهم ممن ينظر لهم بأنهم يساهمون في تشكيل الرأي العام، ومن المفترض أنهم ممن يقارب المعنى الحقيقي في القضايا التي يناقشونها، مع الاعتقاد لدى الكثير منهم أن ممارسة الكتابة الحقيقية تحتاج إلى عقل هادئ، واتزان عاطفي، ومفردة لغوية مقاربة لتوصيف الحالة، لأن انفلات اللغة من عقالها، يجعلنا أمام حالة تحمل فيها اللغة ما لم تحتمل لتصبح بعد ذلك جزءا من المشكلة، بل أكثر من هذا يجعلنا ننصرف عن جوهر ومعنى القضية التي نناقشها، إلى تراشق بالألفاظ يزيد الحالة تأزما ويبعدنا عن مناقشة الحل، وإن كان هذا هو الدور الذي يمارسه بعض من حملت الفكر، فالأزمة هنا قطعا أعمق من القضية ذاتها، إنها أزمة عقل ولغة وخطاب ثقافي يقف بالضد من الحل، إن لم يكن أساسا في واد والحل في واد آخر، ومكمن خطورة مثل هذه اللغة إضافة لما ذكر، أنها أصبحت اليوم في متناول الجميع لأن السوشال ميديا أو ما يسمى بالإعلام الحديث مضافا إليه الإعلام التقليدي لم يبق حرف منها إلا وساهم في نشره، ناهيك عن أن أبطال مثل هذه اللغة هم من يقدمون أنفسهم عادة بأنهم نخبة المجتمع، الذين غالبا ما يغلفون أحاديثهم بغلاف يدعون فيه الموضوعية والبحث في جوهر الأزمة، التي تفاقمها لغتهم، المتماهي معها البعض منهم، خصوصا أنها باتت تكسبه جمهورا يتغذى على مثل هذه اللغة، التي لو تركها إلى لغة أقرب إلى الموضوعية قد تفقده ذلك الجمهور، الذي يبدو أن إرضاءه بات مقدما على الموضوعية والبحث الحقيقي عن جذر الأزمة، إننا أمام حالة تكون فيها صناعة الخطاب الفوضوي، أمرا لو تركناه لأصبحنا أشبه بالغريب عن ذاته، الذي ترك عادة كانت تغذي فيه وهم التمايز عن غيره، ومن هنا إن لم نقف اليوم وليس غدا موقف الضد الذي لا يجامل من هذه اللغة، التي باتت فيها المعرفة الحقيقة حكمة ضالة تبحث عمن يعيدها إلى سياقها الطبيعي ومن ثم تكون حاضرة إعلاميا، فإننا سوف نعيد ذات الخطاب قصدنا ذلك أم لم نقصد.