إن بقاء الشركة العائلية واستقرارها ونموها يتطلب أن تهتم العائلة بمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها. لذلك تحتاج الشركات العائلية إلى صياغة دستور أو نظام أساسي للشركة يكون بمثابة مرجع عائلي لها يحظى بقبول أفراد العائلة، ويرجعون إليه عند رسم السياسات الإستراتيجية واتخاذ القرارات التي تؤثر في مستقبل الشركة العائلية. ويفترض أن يقوم هذا النظام على مجموعة من القواعد والضوابط القانونية والشرعية التي تضبط تصرفات أفراد العائلة وتمنعهم من تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الشركة. وكي تنجح هذه القواعد في أداء وظيفتها يجب أن تصاغ بعناية فائقة بمعرفة استشاريين مختصين وبمشاركة الأطراف الرئيسية في الشركة العائلية بحيث يحظى النص بقبول واحترام كل أفراد العائلة فيلتزمون به ويتعهدون بتنفيذه ثقة منهم بأهميته لتحقيق نجاح الشركة العائلية، على أن يتم هذا من منطلق الوعي والتفهم والود والتعاون فيما بينهم كأفراد عائلة واحدة، وذلك من أجل تحقيق أهداف الشركة وضمان استقرارها ونموها. والنظام الأساسي للعائلة هو بيان مكتوب يوضح القيم المشتركة للعائلة وسياساتها فيما يتعلق بملكية وإدارة وتشغيل الشركة. كما إنه يمثل أداة قوية لخلق والمحافظة على توازن دقيق بين أفضل مصالح الشركة من ناحية ورفاه العائلة من ناحية أخرى. وكحد أدنى ينبغي أن يشمل النظام الأساسي للعائلة الأهداف بعيدة المدى المتفق عليها من قبل العائلة للشركة والعناصر الأساسية لفلسفة الإدارة والشروط التي يتم بموجبها دخول أفراد العائلة في الشركة وخروجهم منها وسياسات ملكية الأسهم أو الحصص والمعايير المتفق عليها لخلافة الإدارة. ومن الواضح أن صياغة والاتفاق على كافة هذه القضايا الشائكة والرئيسية تعتبر مهمة شاقة وتستغرق وقتا طويلا (عادة حوالي عدة شهور أو أكثر من سنة). وإذا أريد للعملية أن تنجح يجب أن يكون هناك التزام قوي من كل من يشارك فيها أو يهمه أمرها. كما إنها ليست عملية «إما كل شيء أو لا شيء»، أي لا يعتقد أحد الأفراد المالكين في الشركة أنه سوف يحصل على كل شيء يريده بل إن المبدأ الرئيسي سيكون التسوية والتوصل إلى حلول وسط توفق بين رغبات الجميع قدر الإمكان ولكن قد لا ترضيهم بشكل كامل. كما أن تلك القضايا تعتبر مترابطة إلى حد كبير ويعتمد كل منها على الأخرى ومن غير الممكن بشكل عام وضع سياسات بشأن البعض منها بينما يتم تجاهل الأخرى. وبطبيعة الحال قد لا يتفق جميع أفراد العائلة في نهاية الأمر على كل حكم من أحكام النظام الأساسي، ولكن على الأقل يكون قد تم التفكير في هذه القواعد ومناقشتها وتدوينها مما يجعلها واضحة. وبالإضافة إلى هذه المواضيع الأساسية، تستغل بعض العائلات الفرصة للمضي إلى أبعد من ذلك، وذلك بتطوير النظام الأساسي ليصبح وثيقة أكثر تكاملا تشمل «رسالة العائلة» التي توضح موقف العائلة المتفق عليه ليس فقط من الشركة ولكن أيضا فيما يتعلق بمجموعة كاملة من القضايا الأخلاقية والسلوكية. إن هذا التمديد للغرض الأصلي للعائلة غالبا ما يكون نتاج عملية تمحيص تفصيلية، ففي البداية يكون تركيز المناقشة على السعي للتوصل إلى مساحة مشتركة فيما يتعلق بقضايا الشركة، ولكن عندما يتم التوصل إلى تحقيق هذا المستوى من التوافق يبدأ أفراد العائلة في كثير من الأحيان بالشعور بأن قدرتهم على الاتفاق على المسائل التي تخص الشركة تعكس حقيقة أنهم، على مستوى أعمق، يتشاطرون مجموعة مشتركة من القيم والمعتقدات الأخلاقية والمعنوية والروحية. هذا الإدراك يعزز مشاعر الارتباط والتعاضد بين أفراد العائلة ويساعد العائلة على التوصل إلى نظام أساسي متفق عليه وينظر إليه على أنه رمز يجسد التزامهم وافتخارهم. وعندما يبدأ العمل في صياغة مسودة النظام الأساسي، يتوقع أفراد العائلة في العادة أن تكون الوثيقة النهائية بمثابة بيان نوايا خاص وسري للعائلة وليس اتفاقا قانونيا يجوز فرض تنفيذه بموجب القانون. ولكن كلما تم وضع الأحكام التفصيلية تحت المجهر غالبا ما تبدأ وجهة نظر جديدة في الظهور ترى أن قابلية التنفيذ بموجب القانون قد تكون في الواقع مرغوبة وضرورية. وفي العادة، ينشأ ذلك بسبب أن البنود في النظام الأساسي تهدف إلى حماية الشركة ولكنها، بالإضافة ذلك، تؤدي إلى تحميل أفراد العائلة بصفتهم الفردية أعباء ومسئوليات. هناك على سبيل المثال البنود التي تتعلق بإجراءات خروج المساهمين الذين يرغبون في ترك الشركة حيث في العادة ينص النظام الأساسي للعائلة بشكل واضح على حريتهم في تركها لكنه يشترط أن يتم دفع قيمة الأسهم المباعة على مدى فترة طويلة، خمس سنوات مثلا. ويتم اشتراط هذا التأجيل لغرض حماية الشركة من سحب مبالغ كبيرة على نطاق واسع وبشكل غير متوقع من الشركة نتيجة لهذه الانسحابات، ولكن هذا التأجيل قد يمثل من ناحية أخرى عبئا كبيرا على المساهم الذي يبيع حصته. وكما هو واضح، فإنه من الأفضل عادة في مثل هذه المسائل الهامة عدم ترك الأمور للصدفة، ولذلك فإن النظام الأساسي للعائلة غالبا ما يشكل اتفاقا قابلا للتنفيذ بموجب القانون. كما يفضل توثيقه بشكل قانوني لكي يكون ملزما للجميع. ولكن تحديد ما يمكن تضمينه في اتفاقية ملزمة قانونا وما يجب استثناؤه هو من أهم التحديات التي تعترض طريق وضع النظام الأساسي. ويعتمد ذلك على عدة العوامل، من بينها دينامية العائلة ومستوى الثقة بين أفرادها والهيكلية التي يتم اعتمادها. ويُفترض على الأقل، بالنسبة لأية هيكلية يتم تطبيقها، أن تسهّل عملية الحوار وتحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات، ووضع آلية تتسم بالكفاءة لعملية صنع القرار، ودعم عملية تدفق المعلومات، والمساعدة في حل المشاكل. ومن الأهمية بمكان، نظرا لطبيعة الاختلاف المتأصل بين العائلات، مراعاة التميز الذي تتسم به احتياجات كل عائلة، مما يؤدي بدوره إلى اختلاف الهيكلية التي سيتم اعتمادها بالنسبة لتلك العائلة. وغالبا ما تكون رغبات أفراد العائلة غير منصوص عليها في أحكام القانون بشكل واضح، أو أن تلبيتها أمر غير ممكن أصلا. لذلك فمن الضروري أن يتصف واضعو النظام الأساسي بالانفتاح والإبداع. فعلى سبيل المثال، هناك صعوبة في ترجمة الاحترام في التعامل بين أفراد العائلة إلى وثائق قانونية، لذلك لا يمكن ضمانها كفقرة قانونية في محاولة لجعل تلك الوعود ملزمة. ومن المسائل الأخرى التي يمكن أن تعرض حاجة أفراد العائلة للالتزام بعملية تطبيق النظام الأساسي للعائلة والهيكلية الواردة ضمنه أن هذه العملية تستغرق في الغالب عدة شهور، وتتضمن التزاما أساسيا بالوقت والجهد لوضع هيكلية وتعلم كيفية تطبيقها على النطاق العملي. * رئيس الجمعية البحرينية للشركات العائلية