المواطنة قيمة تمثل نسيج العلاقة بين الإنسان والأرض التي نشأ عليها وصنع فيها ذكرياته وعاش من خيراتها، أما الوطن -المملكة- فهو كلمة عندما تحضر أمامنا تنتفي بوجودها الأنا وتظهر مشاعر الفخر والعزة والحب لهذا البلد الذي احتضن المواطن على ترابه في أمن ورخاء منذ نعومة أظفاره وترعرع فيه وصنع منه مورداً وعنصراً فاعلاً في مجتمعه وأوجد له مكانة رفيعة بين مجتمعات العالم. لقد وضعت مملكتنا الغالية المواطن على رأس سلم الأولويات لديها لضمان الحياة الكريمة له منذ توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وتعاقب على هذه المهمة أبناؤه حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مستثمرين كافة مقدرات الدولة وإمكاناتها في ذلك ومؤمنين بقيمة الفرد في هذا الوطن وأنه الاستثمار الحقيقي الذي تراهن عليه لدوره الجوهري في صناعة المجد الذي يقوم على سواعد أبنائه الأوفياء، بل ووضعت 23 سبتمبر يوماً للتعريف بالإرث الحضاري والثقافي والتنموي ولزيادة توثيق تلك الروابط الوطنية وتحتفل فيه كل عام مع مواطنيها بإنجازات سطرتها كتب التاريخ والاقتصاد والسياسة والطب وغيرها وتحدثت عنها الدول في كافة المحافل. 23 سبتمبر هو نقطة مهمة جداً على خط الزمن يجب ألا تكون ذكرى نجددها سنوياً بالاحتفالات فحسب، بل هي أيضاً محطة تأمل ووقفة جادة لمراجعة وتقييم الأداء العام، خاصةً وأننا نقترب من بدء العام الهجري الجديد وذلك وفق عناصر عدة أعرض هنا ثلاثاً محوريةً منها لمستقبل المملكة. يقول إبراهام لينكون «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه» وصناعة المستقبل تبدأ من الفرد أولاً الذي يعد اللبنة الأساس لبناء الوطن انطلاقاً من مراجعة دور الأسرة في التنشئة الصالحة وبناء الجودة الشخصية له وفق منظومة القيم التي تسعى المملكة لتأصيلها فيه والمهارات التي تواكب متطلبات القرن الواحد والعشرين وذلك من خلال عدة قنوات كمؤسسات التعليم والإعلام وغيرها إلى أن يشغل مقعد الوظيفة. ولعل من تلك القيم المؤثرة هي إتقان العمل، حيث رسمت المملكة مساراً مستقبلياً يحول الأمنيات إلى ممارسات والتحديات إلى مقومات نجاح تجلى في رؤية 2030 والتي تقوم على إحسان وإتقان العمل وتتطلب من كل موظف استشعار دوره المفصلي وأن الجودة مطلب ديني ومكانة أحبها الله وواجب وظيفي، وأن يتيقن أهميته وقيمته في صناعة الفارق ويقيم انجازاته الشخصية في عمله وفق المستهدفات والمؤشرات الفردية بالمقارنة مع المؤشرات المؤسسية وجودة أدائه ومدى انسجامه مع توجهات منظمته والتزامه بها ووضع خطط التحسين لاستثمار مواهبه ومهاراته مستقبلاً. بل وأجد هذه المناسبة منصةً للمواطنين الذين هم شركاء النجاح لتوليد الأفكار التطويرية لمؤسسات الدولة وإرسالها عبر القنوات الرسمية وكذلك نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتصل لصناع القرار وتكون على أجندة التطبيق. ثانياً: المؤسسات الحكومية والخاصة التي تمثل كيان الدولة وترتكز عليها في الشؤون المختلفة سواءً في توفير حزمة الخدمات والمنتجات التي تواكب احتياجاته وتطلعاته والمشروعات التنموية أو في التنافسية العالمية ووضع المملكة في مكانتها المتميزة على سلم الأفضلية بين دول العالم وفي صدارة المؤشرات الدولية، إذ يتعين على هذه المؤسسات تقييم أدائها ورشاقتها للوثب باتجاه الإنتاجية العالية التي ستفاخر بها في اليوم الوطني العام القادم وفق محاور رئيسة منها مدى مواكبتها لخطط الدولة وتوجهاتها وسير تلك المؤسسات بخطى صحيحة وثابتة للتحول الوطني وأيضاً نحو الآفاق المستقبلية الواعدة في الرؤية، وكذلك مدى تطبيقها للمعايير المحلية والعالمية والالتزام بها إضافة إلى المقارنة المرجعية مع أفضل الممارسات في مجال تخصصها بهدف التعلم وتحسين المنهجيات والأدوات والنظم الإدارية المتبعة لرفع مستوى الأداء وسقف الطموحات وتطوير الخدمات والمنتجات. العنصر الثالث هو المسؤولية الاجتماعية التي تعتبر عصباً مهماً في نجاح المجتمعات وتبنتها المملكة محلياً وعالمياً منذ عقود وأفرزت العديد من المبادرات كالمساعدات الدولية التي تجاوزت 139 مليار دولار وكذلك الإغاثات وخدمة الحجاج وغيرها، حيث ان قيام المنظمات كافة انطلاقاً من الغراس في المدارس وصولاً إلى المؤسسات الخاصة بمراجعة منهجية عملها تجاه المسؤولية الاجتماعية وتطويرها وتعزيزها لدى منسوبيها وتحويلها إلى سلوك وممارسة يعد ركيزةً مهمة في رفع المواطنة والولاء لدى الأفراد وتوطد أيضاً علاقة المؤسسات مع المجتمع. وهناك صور متعددة يمكن لتلك المنظمات أن تعمل على تكثيف الجهود حيالها بالإضافة للنجاحات المحققة فيها مسبقاً كالتوفير في الطاقة ومقدرات الدولة للأجيال القادمة بالاستفادة من الأساليب الرائدة مثل منهجية الجوقاد الهندية، إضافةً للمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة والذوق العام والعمل التطوعي وأيضاً التناغم بين المنظمات وتكامل بعضها البعض في تحقيق أهدافها في المجالات المختلفة. ختاماً أقول نحن نردد بفخر واعتزاز «سارعي للمجد والعلياء» ونحمل الراية مجدداً في يوم عرس الوطن ويجب أن نجسد هذه المحبة التي وقرت في القلب وهذا الولاء إلى أفعال ميدانية نقيمها ونطورها بعزيمتنا وخبراتنا في هذا اليوم يدعمنا في ذلك مجدنا السابق ونمضي بقوة الإرادة لدفع عجلة الدولة نحو العلياء.