هل المثقف العربي غائب عن الأحداث التي تمر بها المجتمعات العربية أو أي متغير دولي؟ السؤال هذا قد يضعنا مرة أخرى أمام جدلية من هو المثقف، ومن هنا لماذا لا يعتبر المحلل السياسي مثقفا وكذلك الاقتصادي ورجل الدين إن كان له اهتمام خارج تخصصه، فلدنيا أمثلة على رجال دين كانت لهم اهتمامات تشابه إلى حد كبير اهتمامات المثقف اليوم، مثل محمد عبده في مصر وعبدالرحمن الكواكبي في الشام، وإلى اليوم لدينا نماذج تشابه، عبده والكواكبي في نفس الاهتمام وهي في ما أظن من الكثرة في مكان، فالثقافة ليست حكرا على فئة دون أخرى، ومن هنا نستطيع أن نقول المثقف حاضر في المتغيرات التي تحدث في الساحة العربية، أو هناك نموذج من المثقف يشغله متابعة الحدث اليومي، ولذلك حضوره بات واضحا للكثير من الجمهور العربي، بل البعض منه أصبح أشبه بالنجم لدى جمهوره. وأما إن كنا نعني بالمثقف هو من يهتم بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، خارج منظومة رجال الدين ومحللي السياسة والاقتصاد، نقول إن التأليف في ذلك كثير وربما غزير جدا، فمنذ ولادة مصطلح المثقف في المشهد العربي، أي منذ قرابة أكثر من ستين عاما، لم ينفك في ما أعرف المثقف من الاهتمام بالمتغيرات العالمية التي كان لها أثرها على المشهد العربي، فمن الحداثة إلى العولمة التي كان لها حضورها في المشهد العالمي وصولا إلى ما سمي بالربيع العربي والأحداث التي مرت بها المنطقة العربية، وتمر بها اليوم. ومن هنا من الصعب بل من الظلم قول إن المثقف غائب، أي بمعنى أنه لم يشتغل على قضايا الساعة وقضايا مجتمعه الجوهرية، فلدينا على سبيل المثال مشروع الجابري في تفكيك العقل العربي، وأركون في تجديد الفكر الديني، ولا تزال تصدر العديد من الكتب، والمقالات التي تتناول الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية ذات البعد الدولي، ولكن هذا الجهد الذي بذله المثقف العربي التقليدي في الاشتغال على قضايا مجتمعه والمتغير الدولي، لم يجد صداه الإعلامي، حتى وإن وجد بعضا من الاهتمام الإعلامي به. والسؤال المطروح هنا لماذا نجح رجال الدين ومحللو السياسة والاقتصاد في أن يصلوا لشريحة كبيرة في المجتمع ومن ثم يكون لخطابهم كل هذا الحضور، واخفق النموذج الثاني للمثقف؟ ما الذي جعل لهذا النموذج من المثقفين أن يكون لهم حضورهم الواسع في الإعلام، ولدى شريحة كبيرة في المجتمع، فيما غاب النموذج الثاني أي نموذج الجابري وأركون وغيرهما ممن يشتغل في ذات التوجه والمجال، الذي عمل عليه المثقف التقليدي، منذ ولادة مصطلح المثقف. يكمن هذا في ما أظن في نوع الخطاب واللغة الذي يتبناها النموذج الأول للمثقف فخطابهم في الغالب يقدم «حلولا» سريعة وآنية يستطيع أن يهضمها المجتمع لأنها تناقش عادة الهم المباشر لأفراد المجتمع، وبالتالي تكون مادة مغرية للإعلام، عكس المثقف من نموذج الجابري وغيره فغالبا هؤلاء ما يفككون الأزمة ويحاولون مناقشتها من العمق، مما يحتاجون لوقت أطول في تبلور أفكارهم ومن ثم جاهزيتها لتعاطي المجتمع معها، ليخسروا بذلك الفرصة الإعلامية الكافية، ناهيك عن أن المناخ العام في المجتمع غير مهيأ لهضم مثل هذا الطرح، لأسباب كثيرة، يضيق المقام عن ذكرها.