يجتمع قطبا العالم روسياوأمريكا بشأن الأزمة السورية ووضع الحلول للصراع الدائر في منطقة تعد من أعقد مناطق الصراع المعاصر. ينتهي الأمر بخروج هدنة للوجود لا التزام فيها، والنظام يستمر بقصف المدنيين، ويتجدد الصراع بصيغته الدبلوماسية، بين رغبة روسية بكشف بنود الاتفاق الروسي الأمريكي وبين رؤية أمريكية تريد بقاءه سرياً. نصائح وزير الخارجية الروسي بضرورة مشاركة قادة عسكريين أمريكان لتنفيذ بنود الاتفاق لا تجد أذنا صاغية عند نظيره الأمريكي، لتصحو أمريكا على هجمات ومحاولات تفجيرية تتبناها داعش التي هددت قبل ذلك بهذا العمل. يتجدد الإحراج للإدارة الأمريكية جراء ضعفها وانسحابها من الشرق الأوسط واعطاء روسيا كامل الصلاحيات في الملف السوري، وصمتها عن إيران وتمردها وتدخلها في الصراع، وفي المقابل يلتقط الرئيس التركي معنى الخذلان الأمريكي والضعف وعدم قدرته على الحسم، فيستدير ويصالح ويتجه من جديد إلى موسكو وتتجدد العلاقات بمدى واسع من المصالح الاقتصادية، لكنه لم يستطع اقناع القيصر بالمنطقة الآمنة شمال سوريا، ويحل الصمت الروسي عن توغله هناك. يلتقي الوزراء العرب والغربيون في أمريكا لأجل الحل السوري، ولا سبيل أو أفق، ف «سوريا المفيدة» كما يريدها بشار الأسد ليست سوريا التي نأمل بقاءها صامدة، بعدما حول الصراع إلى نزاع طائفي، وبعدما أفرغ البلاد من السكان. صحيح أن الصراع السوري هو أحد أكثر الحروب دموية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث وهذه حقيقة لا جدال فيها، لكن بالإضافة إلى أهمية عدم التسبب في زيادة التكلفة البشرية للنزاع، يجب على المجتمع الدولي ان يفكر بجدية في كيفية تغيير الحرب لوجه سوريا، وما يعنيه ذلك بالنسبة للعالم، وإذا استمر النزاع كما هو عليه اليوم وتنفيذ اتفاق ميونخ - أبعد ما يكون عن كونه أمرا مؤكدا - فإن سوريا سوف تتجه إلى مستقبل من التطرف واضطرابات طويلة الأجل سوف يكون لها تداعيات عالمية. سيأكل الصراع ثلث السكان ويهجر الثلث، ويبقى الثلث، والغرب يعي ان ذلك حدث في بعض دوله أيام الحروب الطويلة التي ظلت عقودا، ولا مانع عنده من ان ينتهي الواقع الصراعي في الشرق الأوسط إلى ظهور دول جديدة بصيغ جديدة، مع تغيير الخارطة الديمغرافية أيضا. لقد قام الأسد بالفعل باضفاء النزعة الطائفية على الصراع من خلال تحالفه مع إيران وحزب الله، وقد صبت هذه الاستراتيجية في صالح تنظيم «داعش» التي تبنت مقولة الممثل السني للصراع في سوريا والعراق ضد المد الشيعي، بينما تعزز الهجمات الروسية على المناطق السنية بشكل أساس هذا الموقف إلى حد كبير، لكن لماذا يحدث ذلك؟ وكيف لرئيس أن يسمح بقصف شعبه بسلاح خارجي؟. صحيفة «الغارديان» كانت أشارت إلى أن إستراتيجية روسيا والأسد في سوريا تتسم بقصر النظر، وإضعاف الثوار السوريين اليوم، والتضحية بالمدنيين من أجل السلطة السياسية يزرع بذور عدم الاستقرار في المستقبل، وبالتالي فإن بوتن والأسد يغيران وجه سوريا من بلد معظم سكانه من المسلمين المعتدلين إلى بلد ذي كانتونات طائفية ومظالم عميقة، والفائز الأكبر في هذه اللعبة الخطيرة هو التطرف وإيران التي تبقي على وجودها وتأثيرها وامتدادها من قم إلى صور وبيروت مرورا ببغداد ودمشق. بعد خمس سنوات يزداد تعقيدا الصراع، تتغير سوريا، يبحث العرب عن حسم، وتصعد في أوروبا نزعة يمينية متطرفة ضد اللاجئين السوريين والمسلمين، تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتغرق بقية الدول في صراع القوى السياسية يحدث ذلك في ألمانيا وفي فرنسا وفي ايطاليا. كانت سوريا قبل خمس سنوات، دولة عربية ذات دخل متوسط تتميز بحسن الضيافة، وسحرها الأسطوري، وكذلك قمع نظامها شعبه، ورغم أنها كانت مفتوحة للعرب بقصد الزيارة، إلا أن إيران كانت تحضر بصور زعمائها وكانت الصورة الثلاثية للأسد ونصر الله ونجاد تملأ الشوارع وتعني أن طهران هي من يحكم دمشق. في التسعينيات كانت سوريا عشية السقوط المفاجئ للاتحاد السوفيتي، دولة يقال عنها باستمرار: إن «الثورة ليست لنا، نحن نريد تطوير سوريا». كان ذلك يعني أن التغيير بطيء جدا، لكن موت الأسد الأب غير المعادلة، جاء بشار الابن بحلم الابقاء على إرث الأب، لكنه تحول إلى دمية بيد عصابة، فأضاع سوريا وبدد ما ورث من دولة قوية وشعب متماسك وصابر على كل الظلم. اليوم روسيا تصعد، وسوريا تنهار، لكن الثورة والصراع قد يصلان إلى روسيا التي باتت تشهد تراجعا في الاقتصاد وفي قيمة الروبل وفي الاحتياطي الأجنبي، فهل يعني ذك شيئا بالنسبة لموسكو؟ أم أن التغيير سيكون بطيئا! أما سوريا اليوم فليست تلك التي غنى لها نزار قباني، بل تلك التي تريدها إيران مجمعا للميليشيات المتطرفة وعصابات السرق والنهب؟ فاليوم تذهب الأرض، ويذهب الشعب، ويبقى الأسد في الحكم.