قبل أقل من شهر تم تدشين برنامج «تسعة أعشار» بحضور وزير العمل ووزير التجارة والاستثمار خلال ملتقى آليات دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، وتم أيضا توقيع مذكرة تفاهم بين صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ونظرا لظروف خاصة لم أتمكن من حضور الملتقى رغم حماسي لمناقشة العديد من النقاط مع سعادة محافظ الهيئة العامة المكلف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في توجهات المرحلة المقبلة. المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أهم محركات النمو الاقتصادي، وتلك المنشآت في المملكة مازالت تعاني تعقيد في الإجراءات النظامية والإدارية وبطئها، بالإضافة لضعف التوظيف من خلالها، وتلخيصا لذلك ومن مبدأ الشفافية الذي تقوم عليه رؤية المملكة فإننا لم نستغل تلك المنشآت أبداً خلال السنوات الماضية، وتم تجاهل تأثيرها القوي خاصة مع الأزمات الاقتصادية التي تمر عليها أقوى اقتصادات العالم بعد هبوط أسعار النفط عالميا، لذلك كان أحد أهم أهداف «رؤية المملكة 2030» رفع مساهمة تلك المنشآت في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35%، ومنها كان أحد أهم الأهداف الإستراتيجية لوزارة التجارة والاستثمار في برنامج التحول الوطني. في هذا المقال سأسرد بعض الاستفسارات لمحافظ الهيئة العامة المكلف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالاضافة إلى تشخيص سابق عن تلك المنشآت، وعن أبرز التحديات التي تواجهها، فرؤية الحاضر للمستقبل تهمنا جميعا، والكل مسؤول عن تحقيقها والعمل الجاد على نجاحها، وقبل البدء في ذلك سأعيد وجهة نظري التي أرسلتها لمحافظ الهيئة من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي، التي ذكرت فيها أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة عانت وعانت وستعاني بسبب الأنظمة قبل التمويل، والدواء لمعالجة التشوهات السابقة يجب أن يكون مقداره مختلفا. فبعض الأدوية يحظر استخدامها لمن هو أقل من سنتين، ولها جرعات مختلفة لمن عمره بين سنتين وخمس سنوات، ومن عمره فوق خمس سنوات، وأيضا جرعة الدواء تختلف على حسب الوزن، وهذا واقع لا يمكن انكاره. سعادة المحافظ، في إحدى تغريداتك على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ذكرت أن «المنشآت الصغيرة والمتوسطة توظف 88% من الأيدي العاملة في كوريا الجنوبية، والقطاع يعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد الكوري»، وكما يعلم سعادتكم ونعلم بأن الإجراءات والسياسات التي يتم تبنيها أو الأخذ فيها تختلف من دولة لدولة ومن مرحلة لأخرى من التطور الاقتصادي للدولة، وتطور هذا القطاع في كوريا الجنوبية كان خلال الربع الأخير من القرن الماضي بسبب تغير الهيكل الصناعي فيها مما ساهم بشكل كبير في التحويلات الهائلة التي حدثت في الاقتصاد الكوري منذ عام 1975م خصوصاً فيما يتعلق بالصادرات والإنتاجية والاستثمار الأجنبي، وكانت هناك عوامل فعالة في هذا التطور وأهمها الدور الكبير للمؤسسات الحكومية والخاصة تجاه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويبلغ عدد تلك المنشآت نحو 3 ملايين منشأة تشكل نسبة خيالية تصل إلى 99.8% من المجموع الكلي للمنشآت العاملة في كافة القطاعات الاقتصادية، وقد تعرضت تلك المنشآت إلى تغيرات كبيرة خلال مراحل التطور الصناعي في كوريا. وقد وفرت الحكومة العديد من الحوافز لصناعات عديدة منها الدعم المالي والإعفاءات الضريبية وسياسة القروض بمعدلات فوائد مميزة وإعفاءات جمركية. سعادة المحافظ، ريادة الأعمال تغيرت بشكل متسارع خلال السنوات السابقة عالميا، وبكل شفافية لم نواكب هذه التغيرات بالشكل المأمول رغم تغير سلوك العديد من الكوادر البشرية المحلية المتعلمة بتفضيل إنشاء مشاريعهم الخاصة على البقاء في وظيفتهم لدى الغير، وكما يعلم سعادتكم بأن وضعنا الحالي نعاني فيه من معضلة البطالة وعدم الاستقرار الوظيفي، والسبب في ذلك يرجع للتحسينات التي تعمل عليها حكومتنا في البنية التحتية للأعمال والاقتصاد المحلي التي لا يختلف عليها اثنان بأنها مرحلة تغيير، وكل تغيير له سلبيات وأيضا إيجابيات على المديين القريب والبعيد. سعادة المحافظ، في المرحلة الحالية نحتاج لدعم تلك المنشآت حتى تصل للتوظيف الذاتي لملاكها واستقرارهم، ومن ثم نبدأ الاستعانة بتلك المنشآت لتعزيز التوظيف من خلالها. وأعتقد أنك توافقني الرأي في ذلك بحكم اطلاعك على متغيرات السوق السعودي منذ سنوات عديدة واطلاعك على متغيرات تلك المنشآت في تجارب العديد من الدول المتقدمة، وأيضا توافقني الرأي على أنه من المهم العمل على عدة مسارات أهمها: «مسار المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحديثة» و«مسار المنشآت الصغيرة والمتوسطة القائمة». سعادة المحافظ: نحن في دورة اقتصادية هابطة، وتوجه التحفيز وخفض التكلفة مهم في تلك المرحلة، وأيضا التنظيم مهم ولا نختلف عليه، وأعتقد أنك توافقني الرأي في ضرورة وجود مرونة أكبر للسياسات الحالية أو المستقبلية فيما يخص تلك المنشآت التي عانت ومازالت تعاني. سعادة المحافظ: ومن شفافية تامة أتمنى أن تتقبلها كوجهة نظر شخصية إيجابية وليست سلبية، هل أنت مقتنع بدور بنك التسليف وغيره من البرامج في دعم تلك المنشآت؟ وهل هناك تطبيق على ارض الواقع للمفهوم الإداري التطويري المتعارف عليه لما تتم مناقشته في الاجتماعات التي أهدرنا عليها المال والوقت فيما يخص تلك المنشآت؟ وهل أنظمتنا مرنة أم تزيد من التكلفة على تلك المنشآت؟ وهل سياساتنا منسجمة مع مرحلة التطور الصناعي والتغيير في بيئة الأعمال كما هو متعارف عليه؟ وما التوجهات اللازمة لبتر التستر في السوق؟ سعادة المحافظ: التحديات عديدة والعوائق «شلت» منشآتنا الصغيرة والمتوسطة التي كانت حقلا للتجارب من كل جهة، فتلك المنشآت بلا هوية تحددها بسبب عدم وجود تعريف موحد لها وفقا لمعايير واضحة، وأنا متأكد من أنك توافقني الرأي بأن خروجها أصبح أسهل بكثير من دخولها السوق بسبب اعتمادنا على إستراتيجية تمويلية فقط لا غير دون الاهتمام بالجوانب الأخرى التطويرية بالشكل المأمول. سعادة المحافظ: تلك المنشآت تعتبر أمانة عند سعادتكم، فنجاح تطويرها يعني أن هناك انعكاسا ايجابيا على بناء أسواق تنافسية مغذية للنمو الاقتصادي في المملكة، وستلعب تلك المنشآت دورا كبيرا في عملية الابتكار، ومن المهم أن يكون دورها اقتصاديا موازيا وليس كبديل أساس عن النفط حتى لا نظلمها وندخلها في دوامات أخرى قاسية. سعادة المحافظ: الهيئة أمام تحد كبير بما أنها المظلة الرسمية التي ستجتمع تحتها تلك المنشآت، وإقرار الهيئة كان بداية للحل الحقيقي لدعم وتطوير تلك المنشآت خاصة في أهم مرحلة من المراحل التي يمر عليها الاقتصاد السعودي، والنهوض بتلك المنشآت يعتبر مسؤولية مشتركة ينبغي أن تتضافر فيها جهود العديد من الجهات وبقيادة الهيئة. ختاما: كلنا متفائلون بالدور الذي ستلعبه الهيئة خلال الفترة المقبلة، وكلنا يهمنا نجاح تلك المنشآت التي عانت وعانت ومازالت تعاني.