لم يتبق الكثير على تسجيل الخروج من أطول إجازة يمر بها المعلمون والطلاب هذا العام، بل هي أطول إجازة صيفية تمر بهم منذ 10 أعوام، ما جعلهم يقعون تحت طائلة (حسد) باقي القطاعات وسخريتهم من وقت فراغهم غير النافع. ورغم انها الاجازة التي كنا ننتظرها.. إلا أنني لم أصادف أحدا حتى الآن يتحدث عن (سعادته) بما يملكه وما يتمتع به، بل إن كلمات مثل: (طفش، حر، وين نروح يعني، ليش نصحى اصلا، ما في شي نسويه، خلونا نضيع وقت..) وغيرها من عبارات أصبحت الأكثر تداولا، رغم أننا مررنا بعيدين، وسفر، وزيارات، ومطاعم، ونزهات، وفترة تجهيز للمدارس. إذا السؤال الذي يشتكي من نفسه هو: لماذا كان القطاع التعليمي ينتظر بفارغ الصبر تسجيل دخول الاجازة؟ هل ليشتكي منها فقط؟ وفقا لما يفترضه علم الاقتصاد فإن رغبتنا غير مُشبعة لأنها تعتمِد بِشكل كبير على ما يملِكه الآخر، كما تتأثر هذه الرغبات بالتربية والإعلان والتلفزيون، إنما السبب الأكبر الذي يقودها إلى الجنون ويحركها حقا هو الرغبة في التسِاوي مع الناس ومجاراتهم (نبغى نسوي زيهم، شوفوا فلان، ليش علان، يا حظهم، ليتنا مثلهم....) وهو سباق إن صح التعبير ينتهي حتما بخسارة الرضا، ولهذا فإن رغبتنا في أن نعرِف قيمة ما نملكه في عيون الناس ومقارنتنا بهم تشكلان سببا هاما في عدم ارتفاع مستوى السعادة لدينا. فالإنسان كما يقول الفيلسوف الفرنسي «مونتسكيو»: «لا يريد فقط ان يكون سعيدا، بل يريد أن يكون أكثر سعادة من الآخرين، لذلك فإن الشعور بالسعادة أمر عسير لأننا نرى الآخرين أكثر سعادة منا». هناك سبب آخر ايضا لعدم الشعور باشباع الحاجات وهو ذلك الذي يتجسد في (الاعتياد) الذي يعني مقارنة واقعنا الحالي مع ما اعتدنا عليه من قبل، وهو ما يؤكده «ريتشارد ليارد» في دراساته العديدة عن السعادة وتبعاتها. فعِندما نحصل مثلا على: إجازة طويلة، منزل جديد، أو سيارة آخر موديل، نشعر بالإثارة في بادئ الأمر، لكن عندما نعتاد عليها.. تميل أمزِجتنا نحو العودة إلى ما كانت عليه من قبل، أي أن الإثارة تتوقف وسرعان ما نشعر بحاجتِنا إلى العودة للعمل، أو اجازة اطول، إلى منزل أكبر، وسيارة أفضل وهكذا هو الأمر الذي يشبه تماما مقارنة أول ملعقة في طبق لذيذ مع آخر ملعقة. أظن أنه علينا التوقف والنظر إلى ما بين أيدينا لننتبه لبعض الأمورٍ التي لا يمكن أن نعتادها، ولا يمكن أن نبحث عن الاكثر منها إثارة. هناك امور لا تبهت، ولا يصيبها الشحوب، كالاجازة التي نمضيها مع الحب، مع الأهل، والأطفال، والأصدقاء.