يعي سمو الأمير محمد بن سلمان بوصفه مهندس «رؤية السعودية 2030م» أن مشروعه الطموح يحتاج فيما يحتاج إلى كل «التيمات» التنموية بمختلف تجاربها وتنويعاتها وأدواتها، وأنها تبعا لذلك لا يمكن أن تكون رؤية متكاملة ما لم يكن لها «روح محلية ولكن بأنفاس عالمية». ويدرك سموه أيضا أن التنمية اليابانية والكورية والصينية كتجارب فاعلة ونابهة على المستوى العالمي، ليست ضرورة فقط لإنضاج الرؤية السعودية، وإنما يجب أن تكون خبراتها لبنة تأسيس شديدة الأهمية لدعم ومؤازرة المشروع السعودي للبناء عليها والانطلاق منها والتأسيس عليها، لهذا بدأ سموه تدوير مفاتيح أبواب الشرق ابتداء من الصين ووصولا إلى اليابان، في خطوة لا شك في أنها تستهدف تهيئة القواعد، وتعزيز الأذرع اللازمة لانطلاق الرؤية بقوة دفع تستند على منجز تلك الأشواط الطويلة التي حققتها اقتصادات تلك الدول التي اكتسحت الأسواق العالمية، وفرضت نفسها عليها، وأجبرتها على النظر إليها كتجربة رائدة ومتميزة وفريدة تعتمد على قيمها الخاصة بعيدا عن الأنماط التقليدية السائدة. وبالنظر إلى مذكرات التفاهم وعقود الشراكة التي تم ابرامها في العاصمة اليابانية مع جولة ماراثونية من المباحثات، التي تراوحت بين الثقافي والاقتصادي كمكافحة تقليد المنتجات، والمنشآت الصغيرة، وشؤون الطاقة، والاستثمار الصناعي، والتنمية الدولية، وكذلك المجال الإعلامي، إلى جانب ما تم التوقيع عليه في ذات الاطار مع جمهورية الصين الشعبية، لوجدنا أننا أمام جملة من المحفزات عالية القيمة، التي تصب كلها بالنتيجة في دعم برامج ومشاريع الرؤية، وفتح الأبواب أمامها. وفي رمزية الهدية التي قدمها سمو ولي ولي العهد للرئيس الصيني «لوحة طريق الحرير» اختصار ذكي جدا لما يُراد من مثل هذه الزيارات، وهي حتما لا تعني إعادة طريق الحرير نفسه، الذي كان يربط الصين بالقارة الأوروبية عبر الجزيرة العربية والشرق الأوسط، حيث لم يعد هناك لا سفن شراعية ولا قوافل، وإنما كانت ترمز - ضمن ما ترمز - إلى أن الرؤية السعودية تسعى بكل قوة لبناء شراكات اقتصادية متينة، بوسعها أن تبني طريق حريرها الجديد بتكاتف دول هذا المحور بالتكامل بينها، وبما ينعكس على تنميتها وقدرتها على المنافسة مع بقية القوى الاقتصادية. ولا شك في أن تدوير المفاتيح بمثل هذه الزيارات بأبواب المشرق وإعدادها لاستقبال الرؤية والمساهمة فيها سيكون الساعد الأشد في تنويع الاقتصاد تأسيسا على اتساع رقعة الأداء الاقتصادي في هذه الدول، وبالاخص اليابان التي تفتقر للمواد الخام. وكذلك سنغافورة، حيث الاقتصاد الذي يستثمر في الإنسان بالدرجة الأولى، ويحلق بعيدا عن المنافسة المزاحمة بقدرته الفذة على تخطي العوائق، وامكانياته غير الكلاسيكية في الاستثمار في المعرفة، ومعطيات التقنيات الحديثة التي تستطيع أن تتجاوز كل الحدود القطرية والجغرافية، لتصل إلى أبعد مدى بقدرتها على المنافسة حتى في المجتمعات المحلية التي ما كان لأحد أن يصل إليها قبل هذه النقلات النوعية في الحراك الاقتصادي الحديث.