حين يتكلم الذين يعلمون يكون الاصغاء من ابرز مهام التلقي والانتباه سمة لهذا التلقي اذ تفتح الأقواس ولا تنغلق بانغلاق الكلام.. والذي يتكلم هنا يرتبط بما يتكلم عنه. وكما قال د. غازي القصيبي في تقديمه له: (.. شاب نابه من شباب هذا الوطن درس الاقتصاد سنين وعلم الاقتصاد سنين ثم نقله قدره الى عمل مرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع العمل والعمالة وهو موضوع اقتصادي في جوهره من هنا يجب ان نستمع بعناية الى ما يطرحه..؟) والذي يجب ان نسمعه مجازا او تقرأه فعلا هو دراسة تحمل عنوان (السعودة او الطوفان).. في هذه الدراسة يستعرض الباحث المشكلة ومحاولة حلولها وبهدوء يمكنك ان تتفق او تختلف معه ولكن في النهاية تحترم جهده وغيرته ورؤيته للمستقبل انطلاقا من الحاضر. خاتمة بالطبع نحن لا نقرأ الكتاب من الخاتمة التي تقول: ان بلادنا المملكة العربية السعودية امام خيارين، اما السعودة او الطوفان، ومن المؤكد ان الخيار الحقيقي هو الخيار الاول الذي يقيم مجتمعا منتجا..؟؟ تلك الخاتمة هي الهدف او الواجهة التي وضعها د. عبدالواحد الحميد امامه لتكون منطلقا.. اذ انها هدف دراسة الكتاب الذي نقرأه معا. بدءا من المقدمة التي تسرد في عجالة التطور الذي شهدته المملكة بدءا من قيام الدولة السعودية الثالثة والاستعانة بالخبرات الوافدة ومجيء حقبة النفط وتزايد الصناعة والتوسع الاقتصادي والفورة التي شهدتها المملكة منتصف السبيعينيات الميلادية بزيادة الانفاق الحكومي وتطور القطاع الخاص واستقدام العمالة لاقامة بنية قوية للانطلاق. ويأخذنا د. الحميد باسلوبه البسيط وسرده الواضح الى بقية حكاية العمالة الوافدة وما حدث من تغير في المجتمع السعودية قاد الى الاعتمادية وانتج التستر وشيوع ظاهرة الكسب السريع والنمط الاستهلاكي الشره مما حدا الانتباه الى (أهمية) سعودة او توطين، الوظائف، لتعكس خطط التنمية في هذا الجانب.. ويشير الى الحلول المطروحة للتعامل مع البطالة ويرى انها قد تساعد في تحقيق السعودة وان لم يتعامل تعاملا واضحا على المشكلة الرئيسية وهي الاستقدام الفائض عن الحاجة، وينهي الباحث مقدمته بالاشارة الى ان ما يتضمنه الكتاب يعبر عن رؤيته ووجهة نظره كاقتصادي بعيدا عن موقعه الوظيفي.. وان هناك تكرارا متعمدا للفكرة الرئيسية للكتاب على امتداد فصوله لانها القاسم بين فصول الكتاب. اقتصاد قوي. عمالة منتجة كيف يمكن التأسيس لاقتصاد سعودي قوي ومنتج على اسس سليمة تمنحه القدرة على النمو المتراكم والمستديم وليس وفق معطيات مؤقته مثل استقدام عمالة مؤقتة تنتج ونوهم انفسنا اننا المنتجون؟ الاجابة عن هذا السؤال الذي يعد من منطلق الدراسة وجوهرها هو ما حاول الباحث ان ان يقوم به مبررا معطياته من خلال رؤيته الاقتصادية. فوجود عمالة وافدة رخيصة يشوه عمل آليات الاسواق ولا يعكس وفرة او ندرة او توزيع الموارد الانتاجية وانما تلفق واقعا مزيفا وبالتالي ينشأ اقتصاد مشوه. ان الخطوة الاساسية كما يرى د. الحميد لتأسيس اقتصاد سليم هي الاهتمام بالقوى العاملة واجراء اصلاح هيكلي لسوق العمل السعودي وذلك بالحد من قدوم العمالة الوافدة ورفع مستوى مهارات العامل السعودي بالتدريب والتأهيل وبالطبع ستكون السعودة مؤلمة في البداية لقطاع الاعمال لما سينتج عنها من بعض المشاكل التي ستختفي او تقل في المدى المتوسط عندما يتأقلم الاقتصاد. مأزق العمالة الوافدة يقدم د. الحميد في هذا الفصل رؤية مقارنة عن العمالة الوافدة في امريكا واوروبا وبلدان العالم ويخلص الى انه في هذه البلدان تتكون منظمات للدفاع عن الوظائف والمطالبة بحق الوظيفة ومن العالم العربي يشير الى العمالة الوافدة الى مصر والبالغ عددها (2) مليون وكذلك في الاردن (250) الف عامل..وتناول ظاهرة افرزها التقدم التكنولوجي وهي غزو العمالة الاجنبية دون ان تغادر عقر دارها اي من خلال اساليب توظيف العمالة خارج الحدود مثلما تقوم به الشركات الامريكية مع العمالة الهندية وغيرها، وضمن هذه الشركات تلك التي تعمل في المنتوجات الثقاقية كالسينما والبرامج المرئية وبرامج الكمبيوتر وغيرها. ويؤكد من خلال كل ذلك ان مشكلة العمالة الوافدة ليست مقتصرة على المملكة والخليج وانما هي ظاهرة دولية وصدرت بخصوصها قرارات وتوصيات ومعايير من منظمة العمل الدولية والعربية غير ان ما حدث في الخليج والمملكة انه بعد الانتهاء من انشاء البنية الاساسية العملاقة وانطلاق الثورة التنموية العارمة اضحت العمالة مأزقا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. فقد دفعت المجتمع الى ادمان الاستقدام مما ادى الى نزيف اقتصادي وبروز انماط استهلاكية اعتمدت على الخادمة والسائق وبرزت قيم سلبية للمواطن السعودي تجاه العمل. وايضا ظاهرة الربح السريع من خلال المتاجرة بالتأشيرات. وادى ذلك الى خسارة السعودي معركة المنافسة مع العامل الاجنبي وبدأت مشكلة البطالة تتصاعد حتى بين اوساط المتعلمين وحاملي الشهادات الجامعية. ليست ضد احد تحت عنوان السعودة ليست ضد احد يناقش د. الحميد مصطلح (السعودة) مشيرا الى ان البعض يرى ان استخدامه يجرح مشاعر الوافدين ويحبذ استخدام مصطلح توطين الوظائف أو ما شابه ذلك ويؤكد رغم تعدد المصطلحات ان الغاية واحدة وانه مع من يتحرجون من اطلاق وصف العمالة الاجنبية على الاشقاء العرب والمسلمين.. لكن السعوده شيء اخر.. ويبين ان العديد من الدول نحتت مصطلحات شبيهة فهناك: المصرنة والسودنة والكوتنة والامركة والفرنسة وغيرها وان كان مصطلح السعودة وغيره من المصطلحات يلخص بكلمة ما يتعين ايضاحه وشرحه بعبارات مطولة. ويبين انه يحترم وجهات النظر التي تعبر عن الحرج من استخدام مصطلح السعودة ولكنه شخصيا لا يشعر بذلك لأنه يعتقد ان السعودة ليست موجهة ضد احد او تقلل من الجهد الذي بذلته العمالة الوافدة في تنمية المملكة. الوطنية.. استثناء يشير د. الحميد الى ظاهرة خطيرة حين تصبح العمالة الوافدة هي الاصل والوطنية هي الاستثناء وبعد ان يقدم بعض الاحصاءات عن العمالة الوافدة بالمملكة منذ بداية التنمية وصولا الى الان (يقدرها الان بحوالي (6) ملايين عامل اضافة الى مليونين من افراد اسرهم) يرصد لتجربة بعض دول التعاون التي تدل على ان التوسع في العمالة الوافدة يؤدي الى تغيير التركيبة السكانية للبلاد بشكل يجعل المواطنين هم الاقلية مثلما هو حادث الان في الاماراتالمتحدة والكويت وقطر والبحرين وقد لا يكون الوضع في المملكة مشابها الا ان تزايد العمالة وخصوصا خلال العقود الثلاثة الماضية ترك اثارا على التركيبة السكانية وقدم امثلة على كثافة العمالة في الاسواق المنتشرة في العاصمة فمثلا سوق البطحاء اصبح يمثل قطعة من بومباي او كراتشي او مانيلا. واشار الى انتباه دول الخليج الى ذلك لتبادر الى وضع استراتيجية تهدف الى اعادة التوازن السكاني. سياسات واستراتيجيات ولكن يؤكد هذا الفصل على ان الاجهزة المعنية بالتخطيط تفطن الى تزايد العمالة الوافدة ولكن الجهود لم تكن كافية ويقدم امثلة عن السياسات والاستراتيجيات التي اعدتها الاجهزة التنفيذية وامانة مجلس القوى العاملة التي قدمت استراتيجية تغطي فترة (25) سنة (1420 1445ه) وتصمنت بعض الاهداف التي تحد من العمالة وترشد استقدامها. وتحقق التكامل في مجال التخطيط للقوى العاملة والاستغلال الامثل للقوى البشرية الوطنية وغرس مفاهيم الانتماء والمواطنة. واشار الى آليات وموجهات للعمل وكذلك الخطط التنموية الخمسية، والى القرارات المتعلقة مباشرة بالسعودة وكذلك القرارات العديدة لسعودة بعض الانشطة والمهن وقصرها على السعوديين وغيرها من القرارات وان كان هناك فجوة بين التخطيط والتنفيذ ويعود ليؤكد ان الحل الحقيقي يتمثل في الحد من الاستقدام بشكل كبير جدا. الحل الجذري وحقائق السوق ينتقد الباحث مفهوم منطق السوق وسيادته كمنطق اوحد ويرى ان ثمة حقيقة مفتعلة ويقدم تعريفا للربح وتداخل مفهوم الانتاجية مع جانبي التكلفة والعائد في معادلة الربح ويركز على ان الانتاجية ضمن عوامل اخرى تعتمد قيم وسلوكيات العمل السائدة في مجتمع ما. ويكشف عما فعلته الطفرة بالكثير من الشباب ونظرتهم الى العمل خصوصا العمل المهني او اليدوي والشاق ويبين ان هذه النظرة بدأت تزول بالتدريج وان سوق العمل سيتأقلم.. بالتدريج مع الاوضاع الجديدة وينتج عن ذلك بعض الامور منها ان بعض المنشآت ستجد ان لا مفر من توظيف السعوديين، وان بعض الانشطة ستختفي وسترتفع تكاليف الانتاج بارتفاع الاجور وبالمقابل سوف يرتفع دخل الشرائح العمالية وتزيد قدرتها الشرائية مما يعود بالنفع على الاقتصاد السعودي وكذلك ستنشأ تقاليد انتاجية تعكس خصائص الاقتصاد والمجتمع السعودي. وينبه الى ان المقصود ليس وقف الاستقدام وانما الحد منه حسب الحاجة الفعلية للاقتصاد. النظر الى الغير يتناول د. الحميد تجارب بعض الدول التي مرت بظروف مشابهة ومنها المانياوامريكا ويتوقف طويلا عند التجربة الامريكية ويخلص الى ان العبرة من التجربة الامريكية يجب النظر اليها ويشير الى ان امريكا تصدر انواعا من تأشيرات الاستقدام في مجالات محددة ولكن الشركات تستغل ذلك لاهداف مغايرة ويقدم امثلة على انواع التأشيرات وما ادى بعد ذلك الى ظروف غير جيدة مقارنة بسياسة الاستقدام اليابانية التي ادت الى بزوغها. وعن النمو الاقتصادي كجزء من الحل يرى للعلاقة بين النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف ويتحدث عن عناصر الانتاج التي تحقق النمو الاقتصادي واثر ذلك على الاقتصاد الوطني ويقدم لبعض الافكار الخاطئة لبعض المنشآت السعودية عن توظيف السعوديين وضرب مثالا بقرار سعودة الذهب وكيف وفر فرصا واسعة للعمالة الوطنية. وبالنسبة للنمو الاقتصادي غير المصاحب بخلق وظائف جديدة فقد اثبتته تجارب الكثير من الدول التي لا تستورد عمالة مثل استراليا والهند والفلبين ويقدم امثلة عديدة على ذلك من دول عدة. الجميع يشجع يؤكد د. الحميد ان الكل يشجع السعودة من رجال اعمال ومواطنين كل على طريقته الخاصة فبعض رجال الاعمال يرى ان السعوديين يصلحون لاداء اعمال كثيرة محددة ولكن هناك اعمال لا يكونون منتجين او ملائمين لها مثل الذهب والليموزين والنقل البحري ومحلات السوبر ماركت ومهن عديدة في مجالات الصناعة والمنشآت الصغيرة والقطاع الزراعي ويرى ان هذه النظرة انما جاءت بسبب توافر العمالة الوافدة ولولم تكن هذه العمالة موجودة لتغيرت النظرة والخلاصة هي ان السعودة لن تتحقق بالمستوى المأمول طالما ان العمالة الوافدة تغرق البلاد. ويقدم مثالا واحدا على نجاح السعودة في محلات بيع الذهب والمجوهرات في اول محاولة جادة ويتتبع قرار مجلس القوى العاملة الذي صدر عام 1421ه بقصر وظائف الباعة في محلات الذهب والمجوهرات على السعوديين وما حدث بعد ذلك من قرارات وتأجيل واعتراضات واكتساب خبرة وغيرها وبين ان المفارقات كشفت انه في المدينةالمنورة تقلص عدد محلات الذهب من (311) الى (127) واكبه ارتفاع عدد البائعين السعوديين من (17) الى (804) بائعين وتكررت التجربة في اكثر من مكان. آلام السعودة وآلية التكيف السعودة ليست نزهة جميلة ولن تكون بلا آلام هذا ما يؤكده د. الحميد ويقدم العديد من الامثلة على ذلك من ايلام للمستهلك وللمنتج وافتقاد البعض من اصحاب الدخول الطفيلية مصدر رزقهم واختفاء بعض الانشطة وكذلك بعض المنشآت. وبين ان عملية التكيف الاقتصادي هي السبيل المثلي لوضع الاقتصاد في المسار الصحيح لما سيؤدي الى المزيد من الشفافية والعدالة في المعاملة وهذه الايجابيات يمكن ان تتحقق في المدى القصير اما في المدى الطويل فتحقيقها مؤكد. ولان الانسان اساس التقدم كما يجمع علماء التنمية فلذا كان التدريب والمهارات من الاولويات الهامة، وفي تجارب الدول المتقدمة نجد ما يؤكد اهمية العنصر البشري، ويرصد الباحث لتجارب بعض الدول مثل اليابان التي لا تملك مواد اولية وانما بشرا وكذلك فترة التحديث التي عاشتها مصر في عهد محمد علي والتي لو استمرت لوضعت مصر في مصاف الدول الكبرى. ويؤكد ان احد اسباب زيادة الانتاج هو التعليم والتدريب فالتركيز في تنمية المهارات البشرية مفتاح التقدم واسهام الحكومات في تكاليف الانفاق على التعليم والتدريب يعود عليها بالنفع والى جانب التدريب يجب ان يكون هناك اعادة التدريب التي تزيد من انتاجية القوى العاملة وينتقد بعض اساليب التعليم والتدريب ويعود ليؤكد ان التعليم والتدريب رغم اهميتهما ليسا العصا السحرية لمحاربة البطالة دون الحد من الاستقدام. الشروط الضرورية والشروط الكافية يكرر الكتاب مقولة واحدة يحاول ان يوضحها ويؤكد عليها وهي ان الاستقدام المفرط للعمالة قد اسهم في احداث خلل في سوق العمل السعودي وان ترشيد الاستقدام يسهم (بالطبع ليس وحده) في القضاء على اختلالات سوق العمل وهو شرط ضروري ولكنه غير كاف ويرصد لبعض الحلول المقترحة ويحللها طارحا ما يثور حولها من جدل. ولا يكتمل الحديث عن العمالة الوافدة دون الحديث عن الحرج الذي يسببه وجود الملايين من العمالة في المملكة عندما يعترض بعضهم مشكلة حقيقية او واهمة، ويتوقف عند مصطلح الكفيل ورؤية الدولة في هذا المصطلح ورؤية الغير الذي يرى ان الكفيل يرمز الى الاستعباد والاستغلال وان اي مشكلة تحدث بين عامل وافد وكفيل تصبح مشكلة دولية، ويقدم امثله لما يطرح في الصحف في مواقع الانترنت وقصص مأسوية عن العمالة النسائية، قصص كثيرة بعضها قد يكون صحيحا وبعضها مبالغ فيه ولكنها تسيء الى المملكة ويحكى د. الحميد عن واقعة حدثت له في تركيا ابرز من خلالها موقفين متناقضين واكد ما طرحه. ويرى ان العمالة بهذا الحجم لابد ان تؤدي الى بروز بعض المشاكل والسلبيات التي تسيء للدول المستقدمة للعمالة، وان هناك ضررا يلحق بسمعة المملكة ولا يمكن تجنبه الا بترشيد الاستقدام والتقليل من العمالة الهامشية. وينهي الكتاب بالاشارة الى البطالة ومعدلاتها كونها آفة اجتماعية تؤدي الى مسالك عديدة سلبية ليس اولها المرض النفسي او التأثر الثقافي. ومما تقدم يمكن القول ان ترشيد الاستقدام واتباع سياسات متوازنة هو الحل.. او.. الطوفان. الكتاب: السعودة او الطوفان المؤلف: د. عبدالواحد الحميد الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية بالرياض عدد الصفحات: (144) قطع وسط