العنصرية العمياء التي لا ترى إلا الألوان. كانت الصغيرة مريم التي لم تتجاوز الأربع سنوات في بيت إحدى قريباتها من العمر نفسه تستعد لحفلة مبيت، لكن ما أن غابت الشمس وحل الظلام حتى بدأت البكاء تريد أن تعود لوالدتها، ومع محاولة الأقارب تهدئة مريم واقناعها بالبقاء صرخت الصغيرة: «لا لا، أنتوا حليب وأنا لاتة» فما الذي تعنيه عبارة «أنتوا حليب وأنا لاتة»؟ الجميلة السمراء مريم تشبه والدتها السمراء كثيرا، والدتها التي تفردت بالسُمرة في العائلة وأورثت سمرتها لمريم، فالوالدة التي تعرف ما الذي يعنيه أن تكون مختلفا في العائلة، تعرف ما الذي تواجهه وستواجهه ابنتها. فعندما بدأ بعض الاقارب استخدام ألفاظ مهينة يطلقونها على ابنتها بدأت الأم تعزز ثقة الابنة بجمال سمرتها بمصطلح يناسب إدراك طفلة وتسميها شوكلاتة. ومثل حال أي طفل خارج بيئته الآمنة، عندما شعرت مريم بالوحدة والخوف عبرت عنه بالطريقة التي تعتقد أنها صورة منطقية تفسر للمجتمع المحيط دواعي وحدتها وبكائها، مريم التي لم تكن تجيد نطق كلمة شكولاتة قالتها «لاتة». ما أقوى الكلمات العنصرية حين تنبهنا لها فتاة بالكاد تنطق! كيف لطفلة أن تصل لمفهوم العنصرية قبل أن تصل حتى إلى عمر النطق الطلق؟ كياننا المجتمعي قائم على هيكلة فكرية، منها ما يجب أن يكون عمادا نبني عليه، وأخرى وجب أن تهدم وتبنى من جديد. والفكر العنصري كان ولايزال موجودا عند شريحة من المجتمع، قد تظهر بشكل مباشر في ألفاظ واهانات وممارسات في مواقف مختلفة، وأخرى بشكل ساخر كالنكت والكوميديا الدرامية وغيرها، ويبدو أن الطبقية الملونة متشعبة وتمس مجتمعنا حتى على الصعيد العائلي. المشكلة مع كل ما نعانيه من أنواع التفرقة المسببة للفرقة، كالعنصرية والطائفية والطبقية والقبلية... الخ. يبدو أن التوعية والحملات التي ترفع ليست كافية وتأثيرها بطيء جدا مقابل التحرك السريع لهذا المرض الفتاك، خصوصا حين تؤثر هذه الممارسات والسلوكيات والانتماء الفكري على الجيل الجديد، والجيل الجديد ينشأ على نفس شعارات التهميش والدونية لمجموعة أو مجموعات ضد أخرى. فمن أبسط حقوق الطفل أن ينشأ في بيئة فكرية سليمة داخل المنزل وخارجه، حتى لا نبني فيهم العنصرية قبل الكلام.