اليوم العمل الحكومي كإنتاجية ومفهوم مازال يراوح بين حفرة التوقيع الى دحديرة بصمة الحضور ومازال الجدل لا يخرج عن هذا الاطار الذي يؤصل ثقافة الحضور والغياب على ثقافة الإنتاجية والابداع والمبادرة والتمييز ومازال تركيز الهيئات الرقابية وإدارات شؤون الموظفين والموارد البشرية على من يحضر ومن يغيب. اليوم اذا كنا نريد أن نحقق رؤية المملكة في أن تكون دولة ذات اقتصاد قوي ومنافس عالميا وجاذب للاستثمارات فلابد أن نغير عاداتنا الإدارية السلوكية والمعرفية لدى المسؤول والموظف، فليس من المنطق أن تصرف الدولة المليارات على رواتب فئة كبيرة من المواطنين انتاجيتهم تتراوح بين المتدنية والمعتدلة وفي بيئة ومفاهيم وعبارات لا تشجع على الإنتاجية مثل: أنت ليش تتعب نفسك وشوف غيرك وما أنت أحسن من فلان... الخ من العبارات الجاذبة للترهل والتقاعس والمقارنات السلبية، والتركيز للحصول على مميزات ومزايا دون ما يقابله من عمل مميز ومنتج ذي جودة وسلوكيات تفكر طوال الوقت كيف نخترق نظام الحضور والانصراف وكيف تحصل على الأعذار والتقارير الطبية للتهرب من العمل بالإجازات المرضية حتى أنها أصبحت ظاهرة تحولت الى تجارة. اليوم نتساءل: ما الذي يجعلنا نختلف عن المجتمعات المنتجة التي تؤمن بالعمل وأنه جزء من تحقيق الذات والصحة النفسية والاجتماعية؟ ولماذا العمل غير محبب لدينا؟ صحيح نحن مجتمع يؤثر فيه ويسيطر عليه الكثير من الممارسات الاجتماعية السلبية كالواسطة أو المشيخة والميول القبلية والأسرية والتعصب وأيضا المقارنات الأسرية والاجتماعية والتفاخر... الخ على حساب قيم المواطنة والنزاهة وحقوق الآخر والإحسان...الخ، إلا أن هناك ربما مبررات في السابق كون المجتمع مازال في أواخر الجيل الثاني من مرحلة التأسيس وأيضا مازلنا في شرنقة الوطنية التي جمعتنا تحت دولة واحدة وشعب واحد ومازالت نسبة الخارجين من هذه الشرنقة الى فضاء المواطنة التي تعني الشراكة والمسؤولية والاعتزاز بالإنتاجية وتحقيق الذات الفردي على حساب اسم وأمجاد الأسرة والجماعة، وأن العمل قيمة ومسؤولية ولكن هذه المرحلة المنطقية من النمو والتدرج لأي مجتمع يجب ألا نوسع صدرنا فيها، فاليوم العمل يعني إنتاجية ثم اقتصادا قويا ورفاهية ولا ينفعنا أو يخدمنا التغني بالامجاد واحتضان المتقاعسين وغير المسؤولين حتى عن أنفسهم وتنظيم نومهم وصحيانهم وملذاتهم، ويجب أن نتخلص من المزايدات العاطفية عن مفهوم العمل ودور الانسان في الحياه وفي المجتمع الذي يعزز العطالة والبطالة الاختيارية في البيوت وتحت حضانة الأسر التي ستجد من المتعاقدين من يستثمرها ويستغلها كما يجب. مازلت أتساءل وأفكر بصوت عال ما هي الجدوى من نظام الخدمة المدنية ووزارة وفروع لها منتشرة في المملكة ونظام للعمل ووزارة للعمل وفروع منتشرة في المملكة؟ لماذا انقسمت أنظمة العمل في الدولة الى خدمة مدنية وعمل؟ أليس كلها تدور في فلك القوى البشرية والعمل وسوق العمل سواء حكومي أو شبه حكومي أو خاص؟ لماذا نكثر من المفتين في سوق العمل أحدهم يتكلم عن نظام الخدمة المدنية والأخرى عن نظام العمل؟ ولماذا كلما تعثرت الخطط والمشاريع في سوق العمل والسعودة والتوطين والتستر نحاول حلها بالمزيد من المؤسسات والهيئات التي تولد الوظائف التي تصحح المفاهيم وتحسن الأداء التي تهدف الى تشجيع السعودة والأخرى التي تجبر الناس على التوظيف...الخ؟ وأعود الى نقطة البداية لأكرر السؤال لماذا الوزارتين؟ هل مشكلتنا في الأنظمة حتى نجعلها مزدوجة وكل نظام يعبر عن مرحلة وفكر مختلفين وكل نظام عمل يخطط ويوظف ويسير في خط مواز من النظام الآخر ولكن لا يلتقون عمليا إلا في نظام تبادل المنافع بين مصلحة التقاعد والتأمينات وكل واحد لا يعترف بالآخر وفي كل لجنة مندوب من وزارة الخدمة المدنية وآخر من العمل أو من نظام الخدمة المدنية فقط كونها الأب الروحي للنظام البيروقراطي. في الحقيقة لدينا أمور تدعو للدهشة والعجب، ومازال أصحاب التوقيع يتصارعون وأصحاب البصمة يختلفون.