لم تشهد السلع تغيراً ملحوظاً على العموم للأسبوع الثالث على التوالي، إلا أننا شهدنا الكثير من التحركات الفردية. نحن الآن في شهر أغسطس - ذروة الإجازة الصيفية - حيث المعتاد هو أن تقل حركة السوق وإن لم يكن ذلك بالضرورة يعني تراجع تقلبات السوق. فبعد انطلاقة قوية للسلع خلال النصف الأول من العام، فقد كانت المكاسب شحيحة خلال هذا الفصل بالنسبة للسلع (باستثناء المعادن). واستجابة لاستمرار التأخير في إعادة موازنة أسواق النفط والتوقعات بمحصول أمريكي وفير، قامت صناديق التحوط بخفض الرهانات التفاؤلية للسلع بمقدار 40% خلال الأسابيع الستة الماضية. وقد تركت هذه التطورات بعض الأسواق معرضة لخطر نجاح التداولات المعارضة في اكتساب المزيد من القوة، لا سيما في أسواق النفط التي شهدت حجماً قياسياً من معاملات البيع على المكشوف قبل الانتعاشة الأخيرة. لذلك، فقد صرح وزير الطاقة السعودي الثلاثاء الماضي بأن حجم عمليات البيع على المكشوف في السوق أدى إلى انخفاض سعر النفط إلى أقل من مستواه الطبيعي. وقد أدى تصريحه إلى ارتفاع أسعار النفط التي لم تكن قد تعافت بعد من التجاوز الكبير للعرض على الطلب، وكان رفض المملكة لصفقة في الدوحة في شهر إبريل الماضي لفت انتباه السوق إلى هذا التحول اللفظي. ومع أنه من غير المتوقع التوصل إلى صفقة جديدة لدعم السوق، إلا أن المتداولين سيفكرون جيداً في المبالغة في البيع على المكشوف وربما كان هذا هو الهدف الرئيسي من ذلك التصريح. وقد ساهمت الأرباح التي حققها قطاع الطاقة والمعادن في التخفيف من وطأة أسبوع كان صعباً على المحاصيل، وكان هذا القطاع قد شهد استمراراً في الطلب طوال العام، مما أدى إلى حدوث صفقات كبرى في قطاع السكر أولاً ثم القطن مؤخراً. أما أسواق الحبوب، فقد التقطت أنفاسها قبل أن يصدر أهم تقرير لفصل الصيف وهو تقرير تقديرات التقديرات العالمية للعرض والطلب الزراعي (WASDE) المفترض صدوره نهاية الجمعة، وسيكون هو التقرير الأول الذي يعطي صورة أدق للمحاصيل والإنتاج المتوقعين هذا الموسم. إلا أن نصيب الأسد ذهب هذا الأسبوع للنفط الذي أحزر أكبر تقدم للأسبوع الثاني منذ أبريل، وكان تزايد عمليات البيع على المكشوف خلال شهر يونيو تحسباً لارتفاع مخزون كل من النفط ومنتجاته قد حضر المشهد لانتعاش النفط. وعندما حدث هذا الانتعاش، جاء على صورة تدخل لفظي متجدد من جانب منتجي النفط كما ورد أعلاه من ملاحظات وزير الطاقة السعودي. وقد شهد الطلب الفعلي على الاستثمار في السلع عودة قوية هذا العام ولكن، كما هو موضح في الجدول أدناه، فإن هذا الطلب توجه بشكل رئيسي نحو المعادن الثمينة، لا سيما الذهب. وقد شهد صندوق SPDR المتداول في البورصة، وهو أحد أكبر صناديق تداول الذهب في البورصة، صافي تدفقات تزيد على 13 مليار دولار متبوعاً بصندوق iShares Gold Trust (IAU) الذي جاء في المركز الثاني وحصل على 2.8 مليار دولار. وكان أداء هذه القطاعات مثيراً للإعجاب حتى الآن هذا العام، لا سيما المعادن البيضاء (الفضة والبلاتين) التي حققت قفزة منقطعة النظير في شهر يونيو في أعقاب التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد وصل البلاتين في بداية هذا الأسبوع إلى مستوى بحيث كان الفرق بينه وبين الذهب أقل بمقدار 175 دولارا مما كان عليه في يونيو. وجاءت هذه الحركة الأخيرة مدفوعة بقفزة مفاجئة بنسبة 10% في البلاديون خلال ساعات التداول في آسيا يوم الأربعاء. إلا أن هذه القفزة التوقعية من جانب المشترين الذين رغبوا بانتهاز فرصة انخفاض السيولة لم تنجح، كما أن العودة إلى الاستقرار خلال الأسبوع ساعد على البدء في أخذ أرباح البلاتين. وبالتالي، تتوجه كافة الأنظار الآن إلى الذهب للحفاظ على هذه المكاسب المثيرة للإعجاب. فبعد محاولتين فاشلتين لتجاوز الذروة التي وصلها الذهب في 11 يوليو والتي بلغت 1.375 دولار للأونصة، يبدو أن المعدن الأصفر بدأ بالانكشاف وبات خطر تصحيح جديد يلوح في الأفق. أما ارتفاع الطلب في مواجهة التقلص المستمر في عوائد السندات السيادية العالمية فهو أمر واقع ومن الأرجح أن يستمر طالما استمرت البنوك المركزية في تجربة المعدلات السلبية وبرامج شراء الأصول الضخمة. وما زالت صناديق التحوط تحتفظ بسجل طويل في شراء الذهب في سوق تداول السلع، وعلى الرغم من وجود هذا الدعم، إلا أن هناك خطراً من حدوث تصفية لعمليات الشراء هذه شبيهة بالانخفاض الذي حدث بنسبة 33% في شهر مايو وهو أمر لا يمكن تجاهله. وقد قضى الذهب فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو يحاول الاستقرار في نطاق جديد أعلى يتراوح ما بين 1.315 إلى 1.365 دولار للأونصة. وربما يكون الفشل في الوصول إلى قمة جديدة، على الأقل خلال الأسبوع الماضي مع انخفاض الدولار، إشارة إلى عودة البحث عن الدعم. إلا أن ارتفاع عمليات الشراء في أسواق العقود الآجلة لن تتراجع على الأرجح إلا إذا تجاوزنا حد 1.300 دولار، وهو معدل معاكس هام بعد الحشد للخروج من الاتحاد الأوروبي.