جاءت القرارات الأخيرة لمقام مجلس الوزراء الموقر الخاصة بِمُرتكِبي جريرة «التفحيط»، وما تضمنته من غرامات وعقوبات صارمة ورادعة.. جاءت مُبهِجة ومنتظرة، واستجابة قوية لرغبات المواطنين الذين هم محل اهتمام ولاة الامر. وكنتُ أتمنى ألا تأتِي هذه العقوبات تدريجية كما جاء في القرارات، ولكن المجلس الموقر اتخذ هذه الحالة التدريجية من العقوبات لأنه في رأيي المتواضع كان يمارس دوره الطبيعي، فهو بمثابة الأب الرؤوف بأبنائه الذي يعطي الفرصة للابن مرة بعد أخرى إذا ما مارس جريرة أو ارتكب خطأ.. لكن الكثير منا بصراحة لا تنفع معه هذه الرأفة، و«ما يجي الا بالعين الحمرا».. وإلا ألا يعلمُ الناس في الأساس، وقبل صدور هذه القرارات خطورة التفحيط والمخالفات في قيادة السيارة؟ أما العقوبة التي كنت أتمنى الاكتفاء بها فحسب فهي العقوبة الثالثة الواردة في بيان المجلس، والمتمثلة في حجز المركبة أو مصادرتها، والغرامة المالية التي قدرها ستون ألف ريال، والسجن، فلو تم تطبيق هذا النظام الصارم على هؤلاء المفحطين والمستهترين بالسيارات في كل مناطق المملكة فلن نرى ضحايا وإصابات ومعوقين من تلك التصرفات الصبيانية والشيطانية، الغريب أن معظمهم يدرك كما قلنا، ويعلم أن ما يقوم به خطأ، وتصرف غير لائق وغير نظامي لكنه يصر على ارتكابه.. إن هذه القرارات الخاصة بالتفحيط ومثلها الخاصة بالمرور التي أقرها مجلس الوزراء السعودي يوم الإثنين الماضي برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن نايف تعد من أبرز القرارات التنظيمية المرورية التي تشهدها المملكة الآن.. وسنُذكِر القراء بأن نسبة المفحطين ونسبة الحوادث ستنخفض بإذن الله إلى أكثر من الضعف على أسوأ تقدير بعد التطبيق الحازم والجاد لهذه القرارات.. بشرط أن لا يتراخى إخواننا في إدارات المرور في تطبيقها. وليت المجلس الموقر أسعدنا كذلك بوضع عقوبة صارمة على المزعجين أصحاب الدراجات النارية التي تصدر أصواتا مزعجة جدا ويطوفون بالبيوت والأزقة في ليالي العطلة الأسبوعية والإجازات، وكذلك أصحاب السيارات الشبابية، التي تخرج منها اصوات الأغاني الأجنبية المزعجة والتي لا يعرف كلماتها أولئك الشباب أنفسهم ولا يستمتعون بها، وهذه الظاهرة موجودة في كل مدن وقرى المملكة، والمسؤولون يقرؤون عنها في كل مرة.. فلو جاءت عقوبة صارمة لمثل هؤلاء ومن هم على شاكلتهم لاكتمل الجزاء الصارم.. وقد كتبتنا مرارا حول تلك الإزعاجات العديدة التي تنغص علينا ليالي العطلة الأسبوعية والإجازات. ولعل مثل تلك الإجراءات والجزاءات تساهم في التزام الناس بقوانين وأنظمة المرور التي يعرفها الكثير، ولا يتم تطبيقها، رغم حضورهم دورات مكثفة وكثيرة ودائمة حول ذلك، من قِبل عدد من الجهات المعنية كإدارة المرور، وأقسام السلامة في شركة أرامكو السعودية، وسكيكو والاتصالات السعودية وغيرها، التي ترفع من مستوى الثقافة المرورية وقيادة المركبة وتعامل الناس مع السيارة والطريق، وأن قيادة السيارة كما نعلم «فن وذوق وأخلاق». ولعلنا نتذكر مقولة عابرة كتبها أحد الإخوة السعوديين في صفحته.. «إن الكثير منا تجده لطيفا وخلوقا خارج السيارة، ولكنه عصبي سريع الغضب وسيئ التعامل داخل السيارة». وهذه الحالة النفسية المنتشرة قد يكون لها مقال تفصيلي مستقل قريبا.. إن الناس قد مسهم الضر من تصرفات المفحطين والمزعجين وما يرتكبونه من جرائم قتل بالسيارات والدراجات، ودونكم الإحصائيات الكثيرة التي تطالعنا بها المستشفيات، وأقسام المرور في المملكة، وعدد ضحايا التفحيط والاستهتار وعدم الاكتراث بالمركبة والطريق والقيادة، حتى ان بعض المختصين استقر رأيه على أن الذين تطحنهم الحوادث المرورية في بلادنا فقط من جراء التفحيط والدهس وعدم الالتزام بقوانين السير يفوق المقتولين في ساحات الحرب، والمفقودين من جراء الكوارث الأخرى، فهل نشتري السيارة لتكون وسيلة للقتل أم وسيلة للنقل؟ هذا ومع أن الموضوع ليس جديدا، لكن قد يكون جديده هو «العين الحمرا» التي اشتعلت عقوبة وردعا لتضبط المفحطين وتساهم في سلامة أرواح الناس.