لم تكن السنوات العديدة التي شهدت انخفاضا حادا في أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم أمرا سيئا جدا. فقد ساعدت في تخفيض تكاليف الاقتراض الحكومي، بالتأكيد. كما ترسل البنوك المركزية أيضا إلى حكوماتها بعضا من الفائدة التي تتلقاها على الأصول التي يتم شراؤها من خلال برامج التسهيل الكمي. وفي الأساس، هذا يعني أن الحكومات تدفع الفائدة لنفسها. منذ بداية أنشطة برامج التسهيل الكمي، أعاد الاحتياطي الفيدرالي مبلغ 596 مليار دولار إلى وزارة الخزانة الأمريكية وأعاد بنك إنجلترا مبلغ 47 مليار دولار. وهذه العلاقة الحميمة بين البنوك المركزية والحكومات تشبه «أموال المروحيات»، الشكل غير التقليدي للتحفيز الذي يمكن أن يعتبره بعض البنوك المركزية وسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي. أنا أبحث عن المزيد من أموال المروحيات - التحفيز المالي المطبق بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكي والممول من قبل الاحتياطي الفيدرالي - أيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وهي تدعى أموال المروحيات بسبب الوهم المتعلق بإلقاء الأموال من السماء للناس الذين سيقومون بإنفاقها بسرعة، ما يخلق الطلب وفرص العمل والنمو الاقتصادي. بإمكان البنوك المركزية رفع وخفض أسعار الفائدة وشراء وبيع الأوراق المالية، لكن هذا كل ما تستطيع أن تفعله. وبالتالي يمكنها جعل الائتمان رخيصا ومتاحا بسهولة، مع ذلك لا يمكنها إرغام البنوك على الإقراض وإرغام المستهلكين والشركات على الاقتراض والإنفاق والاستثمار. وهذا يقوض فعالية برنامج التسهيل الكمي، كما يقول المثل، يمكنك إيصال الحصان إلى الماء، لكن لا يمكنك أن تجعله يشرب. علاوة على ذلك، تشتري البنوك المركزية في البلدان المتقدمة الأوراق المالية الحكومية في الأسواق المفتوحة، وليس من الحكومات مباشرة. ربما تود طرح تساؤل: «ما الفرق بين إصدار وزارة الخزانة للسندات في السوق وشراء الاحتياطي الفيدرالي لها، مقابل شراء الاحتياطي الفيدرالي للأوراق المالية مباشرة من وزارة الخزانة؟» الفرق هو أن السوق المفتوحة تحدد أسعار سندات الخزانة، ليس الحكومة ولا البنك المركزي. والسوق تتدخل فيما بينهما، ما يمنع الحكومة من تقديم كميات ضخمة من السندات مباشرة إلى البنك المركزي دون إجراء اختبار تدخل السوق. وهذا يفرض الانضباط الخاص بالبنك المركزي ويحافظ على مصداقيته. في المقابل، كانت المبيعات المباشرة إلى البنوك المركزية هي المسار الطبيعي المعتاد للتمويل الحكومي في أماكن مثل زيمبابويوالأرجنتين. وغالبا ما يؤدي إلى حدوث تضخم جامح وكارثة مالية. (احتفظ بورقة نقدية قيمتها 100 تريليون دولار زيمبابوي، صادرة في عام 2008م، كانت قيمتها فقط عددا قليلا من السنتات الأمريكية عندما تسارعت هناك معدلات التضخم لتصل إلى مستوى مئات الملايين بالمائة. أما الآن، تباع هذه الورقة بسعر بضعة دولارات أمريكية لهواة جمع الأشياء الغريبة، بعد أن تحولت الحكومة الزيمبابوية إلى الدولار الأمريكي وتوقفت عن إصدار العملة الخاصة بها). تم استبعاد الأرجنتين عن الاقتراض من الخارج بعد إفلاسها في عام 2001م. كان التمويل المحلي المتاح قليلا للغاية، وكانت الحكومة الأرجنتينية غير راغبة في خفض الإنفاق من أجل خفض العجز. لذلك، تحولت إلى البنك المركزي، الذي طبع 4 مليارات بيزو في عام 2007م (بلغت قيمتها آنذاك حوالي 1.3 مليار دولار). وارتفع هذا إلى 159 مليار بيزو في عام 2015م، ما يعادل 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وليس من المستغرب أن التضخم ارتفع بحوالي 25 بالمائة العام الماضي، مرتفعا من أصل 6 بالمائة في عام 2009م. لا شك أنه نادرا ما يكون استقلال معظم البنوك المركزية عن حكوماتها واضحا تماما. أصبحت هذه هي القاعدة في وقت السلم، لكن ليس خلال فترات الحرب، عندما يرتفع الإنفاق الحكومي والديون الناتجة عن ذلك تتطلب مساعدة كبيرة من البنك المركزي. وكان هذا صحيحا تماما خلال فترة الحرب العالمية الثانية، عندما ارتفعت إمدادات الأموال الأمريكية بنسبة 25 بالمائة سنويا. وكان الاحتياطي الفيدرالي هو خادم الحكومة الأمريكية في تمويل الإنفاق الذي تجاوز الإيرادات بشكل كبير. اليوم، تنخرط البلدان المتقدمة ليس في الحروب العادية بل الحروب ضد النمو الاقتصادي البطيء بشكل مزمن. لذلك، يعود مرة أخرى رواج الإيمان في وجود تنسيق وثيق بين الحكومات والبنوك المركزية في سبيل تحفيز النشاط الاقتصادي - وبالتالي أموال المروحيات. فشلت إلى حد كبير جميع أنشطة برامج التسهيل الكمي على مدى السنوات العديدة الماضية والتي قام بها كل من الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان وغيرها من البنوك الأخرى في إعادة إحياء وإنعاش النمو الاقتصادي. وكان النمو الاقتصادي الأمريكي في عملية الانتعاش هذه هو الأضعف من أي انتعاش حصل بعد الحرب. ووصل النمو في اليابان إلى الحد الأدنى، ولا تزال اقتصادات المملكة المتحدة ومنطقة اليورو معرضة للضغط. ربما يؤدي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى حدوث ركود في بريطانيا والاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يصبح فيه النمو البطيء سلبيا. والانكماش يمكن أن ينتشر على الصعيد العالمي إذا كانت الاضطرابات المالية حادة. وهذا من شأنه بلا شك ضمان حدوث انخفاض في أسعار النفط الخام لتصل إلى 10 دولارات إلى 20 دولارا للبرميل الواحد، وهو المستوى الذي توقعت حدوثه في شباط (فبراير) من 2015م. وهذا أيضا من شأنه أن يولد ضائقة مالية كبيرة، نظرا لوضع قطاع الطاقة عالي الاستدانة. يبدو أن كلا الحزبين السياسيين الأمريكيين يتفقان على أن التمويل المقدم لمشاريع البنى الأساسية أمر ضروري، نظرا للحالة السيئة للطرق السريعة الأمريكية والموانئ والجسور وما شابه ذلك. وربما تكون الزيادة في الإنفاق على الدفاع أيضا قيد التفكير، خاصة إذا احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على الكونجرس وفازوا بالبيت الأبيض. نظرا للموقف العدائي جدا الذي يتخذه كثير من الناخبين في أوروبا والولايات المتحدة، على اليمين وعلى اليسار، لا تندهش إذا رأيت جولة جديدة من الحوافز المالية ممولة من قبل أموال المروحيات، سواء أكان دونالد ترامب أم هيلاري كلينتون هو الرئيس المقبل. تعتبر أموال المروحيات القادمة من البنوك المركزية الرئيسية حقيقة من حقائق الحياة خلال فترة الحرب - وهذا يشمل الحرب العالمية الحالية حول تباطؤ النمو. السياسة النقدية التقليدية تقف عاجزة، والناخبون في أوروبا وأمريكا الشمالية يصرخون مطالبين بالتحفيز الحكومي. آمل فقط ألا تشكل سابقة من نوعها وأن تستمر بعد استئناف النمو السريع - وإلا، فإن الاستقلال الهش للبنوك المركزية الرئيسية يمكن أن يسلك مسار تلك البنوك الموجودة في جمهوريات الموز.