قال بعض حكماء السلف الصالح: إن الصلوات الخمس ميزان اليوم والجمعة ميزان الاسبوع وشهر رمضان ميزان العام والحج ميزان العمر حرصا من المسلم على أن يسلم يومه أولا واذا سلم يومه كان همه أن يسلم اسبوعه ومن ثم شهره وبعدها يسلم عامه واذا سلم كل اولئك سلم عمره كله وهذه هي مسك الختام.. والوقت وإن كان تميز بنكهة وماهية الا انه يشترك مع غيره في كثيرٍ من الخصائص، وأهم ما يميز الزمن هو مروره السريع كمر السحاب.. قال الشاعر: مرت سنين بالوصال وبالهنا.. فكأنها من قصرها أيام/ ثم انثنت ايام هجر بعدها.. فكأنها من طولها أعوام/ ثم انقضت تلك السنينُ وأهلها.. فكأنها وكأنهم أحلام. ولنأخذ سلفنا الصالح عبرة لمن يعتبر: روي عن سيدنا نوح الذي حصد عشرة قرون من عمره عندما جاءه ملكُ الموت ليتوفاه بعد هذا العمر الطويل فسأله: يا أطول الانبياء عمرا كيف وجدت الدنيا فقال: «كدارٍ لها بابان.. دخلت من إحدهما وخرجت من الآخر».. وقال الحسن البصري: «يا أبن آدم إنما انت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك» وها نحن نعيش فرصة الاجازات الطويلة فما نحن فيها فاعلون؟! الزمن هو حياتك ومن جهل وقت فراغه فقد جهل حياته ونحن في حياتنا الدنيا نصلح ونفسد.. ولكن نتمنى ان نصلح اكثر مما نفسد ولن نعرف هذه الحقيقة إلا اذا وصلنا الى منطقة النهاية. نعم.. ان من خصائص الزمن تسربه بسرعة وكذلك ما مضى منه لن يعوض ولن يعود علاوة على انه اثمن ما يملك الانسان، وانى لأعجب ممن يقول: هيا نذهب نضيع وقتا: شيء عجيب. والوقت أثمن ما عنيت بحفظه.. وأراه أسهل ما عليك يضيع حياة الانسان لا فسحة فيها ولا اجازة ولا فراغ فعلى كل فرد منا ان يشغل وقته بالمفيد وخاصة في مثل هذا الظروف ظروف الاجازات وتسارع الزمن وتفلته من بين ايدينا ونحن نتفرج بلا رد فعل. والنفس ان لم تشغلها بما يفيد أشغلتك بما لا يفيد وإن لم تشغلها بالخير أشغلتك بالشر. ونحن بصفتنا مسلمين لا يجوز لنا اللعب بهذا الوقت بل يجب علينا الحرص على الاستفادة منه، وأول واجب على الانسان المسلم نحو وقته ان يحافظ على ماله، بل اكثر منه، وأن يحرص على الاستفادة من وقته كله، فيما ينفعه في دينه ودنياه، وما يعود على أمته بالخير والسعادة، والنماء الروحي والمادي. وقد كان السلف– رضي الله عنهم– أحرص ما يكونون على أوقاتهم، لانهم كانوا أعرف الناس بقيمتها. يقول الحسن البصري: أدركت اقواما كانوا على أوقاتهم اشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم! وفي حديث للشيخ القرضاوي قوله: «والفراغ لا يبقى فراغا أبدا، فلا بد له أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح، وويل لمن ملأه بالشر والفساد». يقول بعض الصالحين: «فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر تقوده الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه». قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: «الليل النهار يعملان فيك.. فاعمل فيهما». وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل ان يكون فارغا، لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه. وهنا تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، رجلا أو امرأة، ولهذا قيل: الفراغ للرجال غفلة وللنساء غلمة، أي: محرك للغريزة، والتفكير في أمر الشهوة. وهل كان تعلق امرأة العزيز بيوسف وشغفها به، وتدبيرها المكائد لايقاعه في شباكها، إلا نتيجة الفراغ الذي تعيش فيه.