الخَبَر: انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر، المؤرخ والكاتب بصحيفة الرياض، وأستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود، وعضو مجلس الشورى السعودي، وذلك إثر حادث سير مؤلم بمدينة الإسكندرية بمصر، في يوم الخميس الماضي. الصدى: مات أبو نايف في مصر فاستوت عليه الآية الكريمة (وما تدري نفس بأيّ أرض تموت إن الله عليم خبير) 34/ لقمان. والدكتور العسكر لطيف الحديث والمعشر، والصحبة الجميلة، حريص على علاقاته مع الناس، يتصل بك بروح شفافةٍ وَدُودَةٍ، يسأل عنك ويطمئن على وصولك إلى بيتك بعد فراقك إياه ضيفا عليه أو مصاحبا له في سفر أو رحلة عمل أو غيرها، ونقول ذلك عن تجربة معيشَة حقيقية، لا عن غير ذلك قط. ومآثر الإنسان ومحاسنه تَجُرُّك لِذِكْره، وشكر سماته ومناقبه، هكذا تعلمنا من عروبتنا وديننا. د. عبدالله العسكر.. الذي نزل خبر رحيله مؤلما على كل محبيه.. استطاع أن يؤسس له رصيدا كبيرا في قلوب ونفوس كل من عرفه، وهو من الذين تشعر بالارتياح لهم منذ اللقاء الأول، وليس كل الناس- بالطبع- يتمتعون بهذه الصفة النادرة، كما أنه من الذين تتآلف روحه مع أرواح الآخرين مصداقا للحديث النبوي الشريف: «الأرواح جنود مُجَنَّدَة.. ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف»، وفراقه راحلا يدخل في دائرة المعنى للحديث المنسوب للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه حين سئل عن أَمَرّ الأشياء على الإنسان فقال جملة من الأمور الصعبة، من بينها: فراق الأحبة.. وما تلك الجموع الغفيرة التي شارَكَتْ في الصلاة عليه وهو مُسَجَّى في مسجد الملك خالد، ثم تشييعه إلى مقبرة أمّ الحمام بالرياض، ودفنه، إلاّ شيء قليل من جملة محبيه الكثيرين داخل وخارج المملكة. د. عبد الله العسكر، حزننا عليه عميق طويل، مؤلم، ورحيله مفجع، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.. ويحسن هنا أن نتوقف عند ملاحظة أرى أهميتها وفائدتها وهي خطأ شائع بين كثير من الناس في هذه الأيام في بلدان كثيرة، وتصدر أيضا من مثقفين وأدباء، مَرَدُّهُا الأمِّيَّة التعليمية، وعدم الاكتراث، وعدم قراءة القرآن، وذلك أن أحدهم يكتب في تعزيته لشخص ما: (إن لله وإن إليه راجعون)، أو (إن لله وإن إليه لراجعون)، وكلتا الصيغتين خطأ فاحش، مُخالف لنصّ الآية الشريفة: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» 156/البقرة. وقد دَأَبْتُ على تَصَيُّدِ كلّ من يكتبها خطأ في (الفيس بوك) بإرسال رسالة رقيقة إليه على الخاص، أرجوه فيها بتصحيح الآية.. والله المستعان. ونعود إلى فقيدنا، فنقول: إننا حين نرثي الراحل.. إنما نرثي رجل دولة ووطن مخلصا، ومفكرا ومثقفا وإنسانا وكاتبا ومنتِجا، وإلاّ فإن الموت- أطال الله أعماركم- يخطف كل ساعة آلافا من الناس في كل مكان، ويروحون، وقد لا يذكرهم أحد، وبالمناسبة فقد أقيمت صلاة الجنازة ظهر السبت الماضي على 8 رجال- من بينهم فقيدنا العزيز- وامرأة واحدة، وطفل في وقت واحد في المسجد المذكور رحمهم الله جميعا لكننا لا نعرف أحدا منهم سوى من صلينا عليه. وقد لا يهم القراء الكرام ذكر المواقف الشخصية الكثيرة الممتدة في عمق زمني ينيف على 20 عاما، بين كاتب السطور، والراحل العزيز، لكن الذي يشدّك إليه هو حرصه على تأصير اللحمة الوطنية، والوحدة والتقارب بين كل المكونات العقدية والاجتماعية والثقافية والمذهبية والفكرية التي تعيش في المملكة، في ظل الحكومة الرشيدة والدين الحنيف والثوابت العربية الأصيلة، والمعطيات الطبيعية والجغرافية القائمة، ولهذا فقد تناقل الناس خبر رحيله بذكر هذه التأكيدات عنه- رحمه الله. وهنا أتَذَكّرُ يا صديقي سجاياك ونبلك ومحبة الناس لك، ومحبتك أنت لهم، وأَتَمَثّلُ بقول أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يرثي صديقه الشاعر الكبير: حافظ إبراهيم: قد كُنتُ أُؤْثِرُ أنْ تقولَ رثائي يا مُنْصِفَ الموتى من الأحياءِ وأمضي أردده متسائلا إياك عَمَّن سَيُرْثِيني بعد رحيلك، وقد جَعَلْتَني- بحق- من أخصّ خواصِّك، وأهل حُزانتك، وأنت عندي مثل ذلك.. فَمَنْ سيقف على قبري بَعْدَك ليقول بضع كليمات تجاه مُحبّيه؟ مَنْ سَيُرثي مَنْ؟ يحين يقصف الدهر بخطوبه الجسام من تؤمِّل أنّهُ سَيُؤَبِّنُك، وما أصعب أن تفقد عزيزا.. وكفى..