إِياك مِن كذِبِ الكذُوبِ وإِفكِهِ فلرُبما مزج اليقين بِشكِهِ ولرُبما ضحِك الكذُوبُ تكلُفا. وبكى مِن الشيءِ الذي لم يُبكِهِ ولرُبما كذب اِمرُؤ بِكلامِِِهِ وبِصمتِهِ وبُكائِهِ وبِضِحكِهِ «أبو العتاهية» كان نادر شاهدا لعدة سنوات على مضايقات رئيسه لأحد زملائه ومحاولاته المستميتة لتقليم أظافره وسلبه سلطته. وعندما بلغ السيل الزبى، قدم هذا الزميل استقالته. ولكن نادر تلقى كتاب استقالة زميله مذيلا بتعليق رئيسه الذي نصه: «كانت جهوده مميزة في رفع مستوى المنظمة، حاولت ثنيه عن الاستقاله ولم أفلح. إن ذهابه خسارة لنا جميعا.» عندها قال نادر في نفسه: «كاد المريب أن يقول خذوني». قد يكون المديرون أحيانا لؤماء، وأحيانا متسلطين، وأحيانا يهربون من مسؤولياتهم. ولكن الأشد ألما أنهم قد يمتهنون الكذب. واكتشاف أن رئيسك يكذب، قد يؤدي بالعلاقة بينكما إلى مستوى مختلف، إذ في اللحظة التي تتصدع فيها الثقة برئيسك، يصبح من الصعب الإيمان بتوجهاته. ويبقى لديك التساؤل حول ما إذا كان يقود المنظمة للطريق الصحيح. ويصبح فجأة كل ما يخرج من فمه من كلمات مشكوكا فيها، بما في ذلك تقييمه الإيجابي لعملك. وهذا يجعل من الصعب للغاية أن تقوم بعملك كما يجب. لقد أثبتت دراسات علم النفس الاجتماعي أن الناس يكذبون. فقد بينت إحدى الدراسات المهمة أن الناس تكذب في المتوسط مرة أو مرتين في اليوم. وبالمقابل فإن اكتشاف الكذب ليس بالأمر السهل. فقد وجدت دراسة تحليلية لدراسات سابقة أن الناس تكتشف الكذب فقط في 54% من الحالات. بل حتى جهاز كشف الكذب قد يفشل في كشف الكذب في نحو ثلث الحالات. ويكذب الذكور أكثر من الإناث، والمنفتحون أكثر من الانطوائيين. والناس تكون أصدق عندما تتحدث، وخاصة عند المقابلة وجها لوجه لا حينما تكتب. وأذكر مرة أن شُكلت لجنة للترقيات العليا، واستغرب أعضاؤها وجود تقييم أداء عالٍ جدا لأحد المنظور في ترقيتهم. وعند مهاتفة رئيسه الذي وضع التقييم لأخذ المزيد من مرئياته حول أداء ذلك الشخص، أجاب بكل ثقة: «هذا الرجل لا يساوي فلسين». والناس مجبولة على تصديق ما تريد تصديقه. لذلك نرى الغالبية من المسؤولين محاطين بالمنافقين والكذابين، الذين يمدحونهم بما ليس فيهم، ويضخمون قدراتهم ويعلون من شأن أفكارهم وآرائهم ولو كانت ضحلة وخاوية. ومع ذلك فإن هؤلاء المسؤولين لا يكتشفون كذبهم ونفاقهم، لأن أولئك المنافقين يعزفون على الوتر الذي يحبون. ومن علامات الكذابين أنهم يميلون للحلف أكثر من غيرهم، خاصة عندما يجدون شكوكا في كلامهم عند الطرف الآخر. ويستخدم الكذابون الضمائر التي لا تحمل أي التزام عليهم. فبدلا من القول مثلا: أنا التزم بالدفاع عن ترقيتك، يقول: سننظر في أمر ترقيتك. من المهم جدا الانتباه إلى لغة الجسد واختلاف شكل الشخص وحركاته عندما يتحدث في مواضيع مختلفة. فالإيماء العفوي المعاكس لطريقة الحديث هو دليل على الكذب. فقد يقول شخص نعم أو موافق بينما يهز رأسه بما يعني العكس. كما أن رفع جانب من الكتف قد يدل على الكذب، لأن الشخص يفعل ذلك كدليل على عدم وثوقه من تصديق الناس له. ويقول الباحث غومان إن هناك أربع علامات غير لفظية تدل على الخداع. وهي لمس اليد، ولمس الوجه، ووضع اليدين فوق بعضهما مشدودتين للصدر، والميل بالجسم بعيدا. ليست هناك علامة واحدة كافية للحكم بها على الكذب. ولكن عندما تجتمع منها أكثر من إشارة واحدة، فهناك دليل قوي على وجود الكذب. وهناك من يفرق بين الكذب بنية حسنة والكذب السيئ. فعلى سبيل المثال، قد تكتشف أن الفترة الزمنية الممنوحة لفريقك لإنجاز مهمة معينة، هي في الواقع ليست أربعة أسابيع كما حددها رئيسك، ولكنها ستة أسابيع حسبما وجهت به الجهة العليا. وهذا قد يعد من الكذب البريء الذي يهدف للصالح العام وإبراز تفوق المنظمة. وفي المقابل، قد يجري المسؤول مقابلة صحفية يكيل فيها الكثير من الأرقام المضخمة والمزيفة عن أداء المنظمة ودورها وحجم العمل بها، بشكل مخالف للواقع ولا يهدف سوى لخدمة مصالحه الشخصية. وهذا هو من أنواع الكذب السيئ الذي يضر كثيرا بثقافة العمل في المنظمة. وبغض النظر عن حسن النية لدى المسؤول في الكذب، أو حجم تأثير الكذب على سير العمل، فالحقيقة ان اكتشافك أن رئيسك قد كذب ولو لمرة واحدة، كافٍ لهدم الثقة فيه. وبالنتيجة، عليك تقييم العلاقة بينكما من حيث قدرتك على الاستمرار في العمل معه من عدمه.