أكدت دراسة لصندوق النقد الدولي أن دول مجلس التعاون الخليجي سجلت أسرع معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقد الماضي ومنتصف هذا العقد. وأظهرت أن معدل تزايد سكان دول الخليج، جاء أعلى بنحو 4 مرات من نظيره في الولاياتالمتحدة، وأعلى 7 مرات من الصين، ونحو 10 مرات من دول الاتحاد الأوروبي. وأرجعت الدراسة أن سبب ذلك النمو هو تدفق العمالة الأجنبية الذين يشكلون الآن نسبة كبيرة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي. وتوقعت الدراسة أن يواصل عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي نموه وأن يرتفع عدد السكان في دول المجلس بنحو 30 بالمئة بحلول عام 2020. وتشير بيانات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الى أن عدد سكان المجلس كان 30 مليون نسمة عام 2000 بينما تشير التقديرات إلى أنه وصل 50 مليون نسمة عام 2015، أي أنه زاد ب 20 مليون نسمة خلال 15 عاما وبنسبة مركبة اجمالية قدرها 67% وبمعدل نمو متوسط سنوي قدره 4.5%، وهي نسبة جدا عالية وضخمة. كما أن 60% من هذه الزيادة ناجمة عن تدفق الأيدي العاملة الأجنبية، بينما 40% هي زيادة طبيعية، حيث إن غالبية الأيدي العاملة في دول المجلس لا تزال من الأيدي العاملة الأجنبية، وبخاصة من العمالة الآسيوية وبلغ اجمالي الوافدين من مجموع السكان في دولتي الإمارات العربية المتحدةوقطر نحو 88% تليهما الكويت بنسبة 67.95% ثم البحرين بنسبة 56% ثم السعودية وسلطنة عمان بنسبة متقاربة بحدود 30%. وتضخمت الأيدي العاملة الأجنبية كعدد وكنسبة من مجموع الأيدي العاملة في القطاع الخاص في كافة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2003 - 2015. وتتصدر قطر القائمة بنسبة 93% تليها الكويتوالإمارات 88% ثم السعودية بنسبة 80% ثم البحرين بنسبة 77% ثم سلطنة عمان بنسبة 75%. وغالبا ما تكون هذه العمالة غير ماهرة موجهة لقطاعات الإنشاءات والبناء والخدمات العامة. ان هذه المؤشرات تقتضى من دول مجلس التعاون الخليجي اجراء مراجعة شاملة للسياسات السكانية بدولها؛ بهدف تحقيق توازن سكاني في دول المجلس لتلافي أي خلل في التركيبة السكانية إلى جانب تحقيق توازن بين المناطق في كل دولة بهدف الحد من الهجرة الداخلية إلى المدن، وتنمية رأس المال البشري من خلال توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والتدريب بالمستويات الملائمة وزيادة المشاركة الاقتصادية للمواطنين والاناث وتطوير النظام التعليمي بما يتفق مع احتياجات سوق العمل. وفي نفس الوقت أيضا الإحلال التدريجي للعمالة الخليجية محل العمالة الوافدة وايجاد الفرص الوظيفية ذات الانتاجية العالية للأيدي العاملة الوطنية الداخلة الى السوق بازدياد. لذلك، لابد من التأكيد على الجهود الحالية التي تبذلها دول المجلس من أجل تفعيل الإستراتيجية السكانية الموحدة لدول المجلس خصوصا ان هذه الاستراتيجة تستهدف -وفقا لما هو معلن- تهيئة اقتصاديات دول المجلس للتكيف مع توجهات «العولمة» ومرحلة ما بعد قيام منظمة التجارة العالمية والتعامل بايجابية مع ما تثيره من تحديات وتتيحه من فرص، وكذلك تطوير اساليب التخطيط بدول المجلس على ضوء المستجدات الدولية والاقليمية، والتأكيد على البعد التكاملي والتعاون بين دول المجلس عند التخطيط للتنمية. ومن التحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ الإستراتيجية السكانية الموحدة هي تنمية الموارد البشرية الوطنية بدول المجلس، خصوصا ان القوى العاملة الوطنية لا تمثل حاليا سوى نسبة تتراوح ما بين 15% إلى 35% من إجمالي قوة العمل كما سبق توضيحه. ان إمكانات دول مجلس التعاون الخليجي على خلق فرص العمل الجديدة للعمالة الوطنية التي تلتحق بسوق العمل تبدو متوفرة، حيث ان هناك حاجة لخلق فرص عمل لنحو مليون شخص في دول الخليج وذلك خلال العشر السنوات القادمة. ففي احسن الاحتمالات فان هذا العدد يمكن استيعابه من خلال التوسع في الانشطة الاقتصادية في السنوات القادمة خصوصا مع تحسن أسعار النفط. كذلك وفق التوجهات الحالية لدول المجلس والتي تطمح لأن يلعب القطاع الخاص دورا رئيسيا في تنفيذ برامج التنمية والأنشطة الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة خاصة في ظل تراجع الإيرادات النفطية، فان معظم الوظائف التى ستتوفر خلال هذا العقد والعقد القادم ستكون في القطاع الخاص، وليس القطاع العام. كما أن معظم تلك الوظائف سيكون في حقل المهن الفنية وليس الأعمال المكتبية؛ وذلك لأن التركيز يجري حاليا على تطوير دور القطاعات الانتاجية والصناعية والأعمال المرتبطة بالمهارات الفنية والتكنلوجية. يضاف الى ذلك ان ظروف العمل خلال السنوات القادمة سوف تكون أكثر تشددا سواء من حيث الامتيازات الوظيفية المتوفرة أو معدلات الانتاجية المطلوب الايفاء بها. كما ان الحكومات سوف تتخلى عن دورها كملاذ اخير لمن اغلقت بوجهه ابواب العمل. وعلى الرغم من ان كبار المسئولين في مختلف دول المجلس قد اكدوا على ضرورة اعطاء الأولوية في الاستخدام الى أبناء البلاد فان عملية توطين الوظائف قد ظلت مقصورة في غالب الاحيان على القطاع العام دون ان تنتقل الى القطاع الخاص بشكل فاعل حتى الان. كما تبرز العديد من التحديات أمام دول التعاون من اجل تنمية مواردها البشرية واستخدامها استخداما امثل في تنفيذ برامج التنمية المستقبلية. ان وضع الخطط اللازمة لتحقيق هذا الهدف يبقى هو المدخل العلمي للتعامل مع الموضوع. إلا ان هذه الخطط لن تكون مجدية الا بالمبادرة الى ايجاد الأجهزة التى تملك الامكانات والصلاحيات الضرورية لتنفيذها. وسوف يكون في مقدمة مسؤوليات هذه الاجهزة تطوير سياسات وبرامج التدريب. ان التدريب، وكافة من يتصل به من مؤسسات وبرامج ومفاهيم يبقى ركنا اساسيا وثابتا في كافة التجارب الناجمة في مجال تنمية الموارد البشرية، مع ضرورة التركيز على ربط التعليم بالتدريب والتطور التكنلوجي من جهة، ووجود البرامج التدريبية المكثفة الملحقة بانتهاء مراحل الدراسة المدرسية او الاكاديمية الجامعية من جهة اخرى.