تولت تيريزا ماي منصب رئيسة وزراء المملكة المتحدة يوم الأربعاء. وأول مهمة لها ستكون توجيه الاقتصاد البريطاني إلى ما بعد صدمة مغادرة بريطانيا. ولكن ما يعادل ذلك من حيث الأهمية هو أكبر عملية في إعادة كتابة السياسة الخارجية البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية - بما في ذلك علاقتها مع الولاياتالمتحدة، أقرب حلفائها ومستعمرتها السابقة. ماي تصبح الرئيسة ال 12 للحكومة منذ ترك ونستون تشرشل منصبه في عام 1955. علاقة بريطانيا مع الولاياتالمتحدة كانت ثابتة وقريبة على مدى تلك السنوات، حتى عندما اختلفت السياسات والشخصيات (لنفكر في رفض هارولد ويلسون إرسال قوات الى فيتنام لدعم الرئيس ليندون جونسون). رسميا، العلاقة تبقى دون تغيير. وبعد تصويت المملكة المتحدة يوم 23 يونيو بالخروج من الاتحاد الأوروبي، قال رئيس مجلس النواب بول ريان: «أصدقاؤنا في المملكة المتحدة هم حلفاؤنا الذين لا غنى عنهم، وهذه علاقة خاصة جدا، وهذه العلاقة سوف تستمر مهما كان». لكن الواقع يعتبر أكثر صعوبة، وعلى الرغم من أمل بعض مؤيدي خروج بريطانيا بأن العلاقات المقطوعة عبر القناة مع الأوروبيين ستؤدي إلى تعزيز العلاقات عبر المحيط الأطلسي، ستجد ماي أن ما يُفَرِّق بين المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة يتجاوز اللغة المشتركة. كان التذكير الأكثر إلحاحا لذلك إطلاق تحقيق تشيلكوت الأسبوع الماضي عن حرب العراق. في رسالة شهيرة الآن أرسلها توني بلير إلى الرئيس بوش في يوليو 2002، كتب يقول، «أنا سوف أكون معكم، أيا كان»، يفهم معظم الأمريكيين ذلك باعتباره تأكيدا طبيعيا على الصداقة من حليف وثيق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن. لكن بالنسبة للبريطانيين، اعتبروا أن بلير أعطى بوش شيكا على بياض، وهو ما يُعتبَر بالنسبة إليهم خيانة لا تغتفر لمصالح بريطانيا. ثمانية بالمائة فقط من البريطانيين يعتقدون بأن بلير لم يقم بأي خطأ في العراق. ونسبة 53 بالمائة يقولون إنه لا يمكنهم أبدا أن يغفروا له ذلك. من الصعب أن نتخيل رئيس وزراء بريطانيا ينطق بكلمات مثل ذلك مرة أخرى. يمكن أن يجادل البعض -توني بلير من بينهم- أن العلاقات الشخصية كانت ضرورية للتأثير، والتأثير يسفر عن تنازلات تريدها بريطانيا. في عام 2002، سعت الولاياتالمتحدة للحصول على تحالف وتأييد لقرار الأممالمتحدة رقم 1441 تحت إلحاح من داوننغ ستريت. ذلك القرار أعطى العراق فرصة أخرى للامتثال لعمليات التفتيش عن الأسلحة وأجَّل بدء الحرب. كما يعترف تحقيق تشيلكوت بذلك. التهمة بأن السياسة الخارجية في بريطانيا فقدت شعورها بالهدف هي التهمة التي يتفق معها كثير من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد. جزء كبير من الرأي العام البريطاني رفض مجرد مقعد على طاولة في أوروبا. جزء لا بأس به من هذا التصويت لا يهتم سوى قليلا بالتأثير وببساطة يريد الحرية لمتابعة المعاداة للمهاجرين والسياسات المؤيدة للرعاية الاجتماعية التي تعتمد قليلا على مهارات العلاقة أو القنوات المستترة التي نشرها كبار رجال الخدمات الخارجية والاستخباراتية في بريطانيا بمهارة. هذا المعسكر لن يصفق لرسائل ماي لواشنطن. فهم يريدون منها أن تركز على الداخل. لكن آخرين في معسكر مغادرة بريطانيا أعربوا عن أملهم في أنه من خلال الخروج من أوروبا قد تقوم بريطانيا بربط نفسها على نحو أوثق مع الولاياتالمتحدة. يريدون أن يظهروا أن مغادرة أوروبا سوف تجعل بريطانيا أكثر أهمية في العالم. هذه الفكرة كانت تظهر بشكل دوري على مر السنين ولم تفشل أبدا في الحصول على استياء من المسؤولين الأمريكيين. عندما حذر الرئيس باراك أوباما قبل الاستفتاء بأنه سوف يتوجب على بريطانيا الذهاب إلى «آخر الطابور» للحصول على صفقات تجارية، كان يعترف بحقيقة أن قيمة بريطانيا بالنسبة للولايات المتحدة مشتقة جزئيا من مقعدها على أكبر طاولة في الاتحاد الأوروبي. وكما كتب ريموند سايتز، السفير الأمريكي إلى المملكة المتحدة من عام 1991 إلى 1994، في مذكراته في عام 1998: البعض يتمسك بالعلاقات الأمريكية -عودة روح «العلاقة الخاصة»- كبديل عملي عن الأوروبية المتأصلة. ولكن هذا يعتبر اقتراحا واهيا، من غير المرجح أن يكسب الكثير من الاهتمام إلا مع الذين يحاولون التمسك بقشة. عندما يجد الجد، لدى أمريكا مصلحة في الوحدة الأوروبية أكبر من السيادة البريطانية. ستجد ماي أن من الصعب عليها إرضاء كل رؤية من هاتين الرؤيتين لمستقبل بريطانيا في العالم، وسوف تجد أن الولاياتالمتحدة مشغولة بالقضايا الموجودة لديها. هذا لا يعني أن العلاقة التي تصوغها ماي وحلفاؤها لن تكون بعد الآن خاصة. بالكاد نحتاج إلى تكرار أن البلدين لديهما تاريخ وقيم مشتركة وتصور مشترك للتهديدات. أو أن هناك مصالح اقتصادية على المحك: أكثر من خمس الأصول الأجنبية للشركات الأمريكية موجودة في المملكة المتحدة، في حين أن الشركات البريطانية خلقت أكثر من مليون وظيفة في الولاياتالمتحدة، أكبر سوق تصديرية لديها. الحي المالي في لندن سيبقي على جزء كبير من دوره كمركز مالي بعد خروج بريطانيا. والبنوك الأمريكية ستكون هناك. الروابط المؤسسية التي امتدت لعقود طويلة، وخاصة بين المخابرات البريطانية والأمريكية والمجتمعات العسكرية ستثبت فائدتها. مثل زوجين كبار في السن افترقا ولكن بقيا أصدقاء، تاريخهما معا سيكون موضع احترام. من يدري، قد تبدو صداقة ماي وكلينتون قليلا مثل الشراكات الكبيرة الأخرى بين المسؤولين الأنجلو الأمريكيين بدءا من شراكة تشيرشل مع روزفلت. على الأقل على السطح. أما في الأسفل، فمن المرجح أن يظهر ذلك التحفظ البريطاني الشهير أكثر مما كان في أيام بلير.