العمليات الإرهابية الأخيرة تؤكد أننا أمام تحديات تكاد تصل إلى مرحلة عميقة من وجود المجتمعات المعاصرة في المنطقة، لأن التطرف الذي انتشر في السنوات الأخيرة يهدد الاستقرار المجتمعي على نحو النتائج التي تحققت في سوريا والعراق وليبيا من قتل وتدمير ونزوح ولجوء، بما يضعنا أمام أحد أكثر الصور المأساوية للواقع والمستقبل إذا لم توجد أدوات وآليات علمية ومنهجية لإيقاف نمو التطرف والتعامل الأمني الحاسم مع الإرهاب. هؤلاء أثبتوا أنهم لن يتوقفوا لأن لديهم مشروعات عقلية كارثية يعتقدون بصحتها، وحين تكون تلك العقيدة التي تقودهم الى الموت بدم بارد بهذا القدر من الحركة والرسوخ، فإننا سنحصد نتائج دموية وقتل الكثير من الأبرياء، وفي المحصلة عدم استقرار ورعب وترويع، وليس بالضرورة أن نبدو وكأننا متشائمون من سرعة التعاطي مع الإرهاب والتطرف، ولكن تلك هي الحقيقة ولو للحظة عندما ننظر في الصورة الكلية لقوافل النازحين وأشلاء الضحايا الأبرياء الذين يعني موتهم في العقائد الفاسدة للمتطرفين أن ذلك بمثابة إعلان لصحة معتقداتهم، وبالتالي فإننا أمام أزمة حقيقية في إيضاح بطلان وزيف تلك العقائد الضارة بالحياة والعقل البشري وإنسانية الإنسان، خاصة حينما ننظر لمن يفجرون ويدمرون ونجد أعمارهم في العشرينيات التي يجب أن يتمتعوا فيها بالحياة أو يكونوا في مقاعد الدراسة الجامعية والمعامل ومواقع العمل والبناء وليس الهدم والتدمير والقتل. من المهم أن تطلق الحكومات برامج مشتركة أكثر فعالية في مكافحة التطرف والإرهاب في مسارين منفصلين لكل منهما دون خلط، فالتطرف خاص بمجتمعاتنا بالدرجة الأولى، وهو على نسق العنصرية في مجتمعات أخرى، بينما الإرهاب عام ونتيجة للتطرف، لذلك فالمسؤولية جماعية لكل الأجهزة الثقافية والفكرية والأمنية والمخابراتية، وينبغي ألا يترك الأمر للأمن فقط؛ لأن المنشأ العقلي للتطرف بحاجة الى جهود وبرامج واستراتيجيات استباقية تنظف العقل والفكر من أوساخ العقائد المضللة التي انتهت ببعض الشباب الى قناعات سلبية ضارة وغير صحيحة، لم تجد المراجعات المنطقية التي تكبح نمو بذرة الانحراف في عقولهم وتسويد قلوبهم تجاه الآخرين حتى يتربصوا بهم بالموت والرعب. إن مؤسسات المجتمع المدني لها دور مهم في تطوير برامجها من أجل استيعاب الشباب واحتضانهم ومساعدتهم في تفجير طاقاتهم، بدلا من الدخول في متاهات التطرف والسماح للمترصدين في الظلام باقتناصهم والعبث بعقولهم وإفسادها بأفكار دينية مبتسرة وضعيفة يتم تضخيمها بصورة غليظة وكثيفة تمنع نشاطهم الفكري من تدبر ما يتم توجيههم اليه كقطيع من الشياه، وهناك الكثير من الأفكار ولا شك التي يمكن أن تصلح لإطلاق مبادرات شبابية سهلة وبسيطة تغلق الأبواب والنوافذ على رياح الشر التي تأتيهم بفكر زائف وضلالات دينية وفكرية ليس لها مرجعيات غير الشر الذي يوجد في أولئك الذين يجندون ويستقطبون الشباب الصغار، الذين يعانون مشكلات خاصة تجعلهم قابلين للاختراق وتلويثهم بالتطرف الذي ينتهي بهم إرهابيين وقتلة وخارجين على النظام، ليخسروا أضعاف خسارتهم لأنفسهم وهم يلقون بأنفسهم الى التهلكة والضياع، لذا يجب أن تبادر المجموعات الشبابية الى ابتكار برامج مستمرة تسهم في بناء الوعي والعقل وتطور المجتمع، وتمنع دخول الفكر الضال على أن تتولى النخب الثقافية والاجتماعية والدينية دفة الوعي وتعزيزه بما يسد الثغرات أمام تنظيمات التطرف والإرهاب.