تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية خبر اعتذار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «توني بلير» عن الأخطاء التي ارتكبها خلال اجتياح أمريكا بمساعدة بريطانية للعراق عام 2003. وسواء اعتذر «توني» أم لم يعتذر، وسواء كان الاعتذار موجها للعراقيين أو لأسر الجنود البريطانيين، وسواء أكان اعتذاراً أم تبريراً للحرب الهمجية التي نالت من أبرياء كانوا وما زالوا ضحية «إيدلوجيا» غربية صلفة، مهما كان من أمر ذلك التصريح فلن ينفع الاعتذار البارد إلا إذا كان بحجم الكارثة التي لحقت بالعراقيين، كأن تتبنى بريطانيا إعادة العراق للعراقيين، وطرد إيران وعملائها اللئام من أرض الرافدين، وإعادة إعمار العراق وتعويض المتضررين، وما عدا ذلك فهي كلمات جوفاء لا محل لها من الإعراب. التاريخ السياسي البريطاني مع العرب تاريخ ظالم وقاسٍ، وإذا كان الإعلام الغربي يتهم المسلمين بالإرهاب وتبني العنف، فإن تاريخ الحكومات الغربية مليء بالعنف والإجرام، بل وأشد فتكاً ودعشنة للشرق الأوسط.. لقد حفظ التاريخ لبريطانيا أحداثاً سوداء، إذ سبق لبريطانيا احتلالها للأحواز العربية، ثم سلمتها لإيران، واستعمرت بريطانيا دولاً عدة؛ فصادرت ونهبت خيراتها، ووعدت بريطانيا «اليهود» بإقامة وطن يجمع شتاتهم في فلسطين، فغرست «إسرائيل» كخنجر مسموم في خاصرة العرب.. وها هي قد ساعدت أمريكا لتحتل العراق، وفي نهاية الأمر تسلم الدولة على طبق من ذهب لإيران؛ لتحكمه بالطائفية البغيضة التي يكتوي بنيرانها الشعب العراقي. لقد كانت الحرب الأمريكية على العراق جريمة أخلاقية بكل المقاييس، ولا يكفي فيها الاعتذار البارد.. لذلك ف«توني بلير» عم سيعتذر في تلك الهمجية؟ هل سيعتذر عن قتل ما يقارب المليونين، أم عن ملايين المشردين، والمهجرين، والأيتام، والأرامل، والمعذبين! أم عن تركه لأرض أصحبت بسبب سياسته أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية، ومسرحاً للقتل على الهوية؟! اعتذار «بلير» يحسسك أن حربه على العراق كانت عبارة عن مباراة خسرها، وليست دولة دمرها، وحرب «صليبية» كما وصفتها صحيفة «الإندبندنت»، لتشكيل المنطقة على حسب المقاييس الإسرائيلية. قفلة.. رسالة لكل ظالم، وعند الله تجتمع الخصوم: «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار».