هنالك الكثير من القطاعات الخدمية التي تعتزم الدولها نقلها من القطاع العام إلى الخاص بهدف زياده الكفاءة وتقليل التكلفة على الدولة، ولكن من ينظر إلى ما تم عمله في السابق في هذا الجانب، سيجد أن هدفي التخصيص الرئيسيين وهما زيادة الكفاءة وتقليل التكلفة لم يتم تحقيقهما وفي بعض الأحيان حصل عكسهما تماما، حيث قلت الكفاءة وزادت التكلفة على الدولة والمستهلك، وليس هناك مثال أوضح على هذا من شركه المياه الوطنية. تخصيص شركة المياه الوطنية هو مثال دقيق على ما يجب أن تتجنبه الدوله عند التخصيص مستقبلا. إن ما حدث من تخصيص لخدمات المياه في المدن الاربع الكبرى، ما هو إلا تمكين لشركه المياه الوطنية لاحتكار تقديم الخدمة في هذه المدن ووعدها بتمكينها من احتكار الخدمة في بقية مدن المملكة. إضافة إلى هذا منحت الشركة صلاحيات واسعة في التصرف بأموالها (أموال الدولة) دون خضوعها للقيود المالية والرقابية التي كانت تخضع لها الجهات الحكومية أو رقابة الجمعية العمومية في القطاع الخاص. ما نتج عن هذا كان متوقعا، فتضخمت رواتب الموظفين، وارتفعت التكاليف التشغيلية وكثرت مشاكل انقطاع المياه وأخطاء الفوترة، إضافة إلى استمرار هدر المياه الصالحة للشرب عن طريق تسربات الشبكة وهدر مياه الصرف الصحي. هذا الخطأ الذي قامت به وزارة المياه آنذاك يجب ألا يستمر، كما يجب تفادي حصول مثله في التخصيصات القادمة. إن تخصيص خدمة حكومية لن يعود بمنفعة إذا كان المقصود بالتخصيص هو الاحتكار، فأساس نجاح القطاع الخاص هو المنافسة التي تقود إلى إيجاد خدمات ذات جودة عالية بأسعار معقولة. لقد أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة أنها تعتزم تخصيص المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة. فإذا كان تخصيص هذا القطاع سيتبع نفس النهج السابق فإن بقاء المؤسسة في القطاع العام أفضل، فتحويل المؤسسة العامة لتحلية المياه إلى شركة كما هو الحال في شركة المياه الوطنية - وحمايتها من المنافسة والرقابة - لن يؤدي إلى تحقيق أي من أهداف الخصخصة التي تطمح لها الدولة. ما تستطيع الوزارة أن تعمله هو تخصيص القطاع بأكمله، بحيث تفتح باب المنافسة أمام القطاع الخاص لتقديم خدمة تحلية المياه بمعايير وأنظمة تضعها وتراقب تنفيذها الوزارة، وتدع شركات التحلية تتنافس فيما بينها لتقديم أفضل الخدمات بأفضل الأسعار، وهذا هو التوجه الذي تضمنته رؤية المملكة 2030. إن تحويل مؤسسة حكومية إلى شركة لا يمكن اعتباره تخصيصا إذا لم تخضع هذه الشركة لقانون السوق وتنافس على البقاء. ما نحن بحاجته الآن هو مراجعة الخدمات التي تم تخصيصها وإعادة النظر في أسلوب الشركة الواحدة الذي ثبت فشله. باختصار نحن بحاجة إلى تخصيص فعلي لما تم تخصيصه، أي تخصيص التخصيص.