من المشاهد أن الزيادة السنوية في الطلب على المياه في المملكة تتراوح ما بين 7 إلى 8 في المائة وهي نسب نمو عالية، لذلك فإن لدى وزارة المياه والكهرباء خططا مستقبلية لمشاريع للمياه سيجري تنفيذها على مدى العشر سنوات القادمة (حتى عام 1444ه) بتكلفة تبلغ حوالي 200 مليار ريال ستخصص لإقامة تلك المشاريع والتي منها إنشاء وتحديث شبكات النقل والتوزيع وإقامة السدود للاستفادة من موارد المياه المتجددة، كما أن هناك مشروعا تحت مسمى مبادرة الملك عبدالله للاستفادة من الطاقة المتجددة في تحلية المياه يجرى تنفيذه مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. كما أن لدى الوزارة أيضا برنامجا لخفض حجم المياه المهدرة والتي تبلغ حوالي 20 في المائة من استهلاك المياه (مليون متر مكعب يوميا) بدأ منذ خمس سنوات بالتعاون مع شركة المياه الوطنية بغية تخفيض هذا الفقد إلى المستوى المستهدف (5 في المائة) الذي يعزى إلى تقادم شبكات النقل المستخدمة في نقل المياه، كما أن تعرفة استهلاك المياه تعتبر الأقل مقارنة بالمستويات العالمية، لذا فإن ثمة حاجة إلى فترة من الوقت حتى تتواءم تعرفة البيع مع تكلفة الإنتاج، وزيادة في توفير الأمن المائي، كما أن لدى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة استثمارات لثلاثة مشاريع كبرى في قطاع المياه ستكتمل في عام 1437 ه تبلغ تكلفتها نحو 70 مليار ريال، حيث إن خطة النمو في الاعتماد على المياه المحلاة ترسم حجم طلب يصل إلى 3 أضعاف حجم الطلب القائم حاليا. وهذا القطاع يعد من بين 20 مرفقا مستهدفا للتخصيص (أي الاستثمار فيه من قبل القطاع الخاص)، لذا فإن من مهام وزارة المياه والكهرباء الأساسية، وضع الترتيبات والآليات والأطر القانونية والمالية والفنية المناسبة والمتاحة للتطبيق للقطاع الخاص من مستثمرين وبنوك ورجال أعمال للاستثمار في قطاع المياه تمويلاً وتنفيذاً وتشغيلاً وصيانةً، وأن يتم ذلك من خلال مرحلة انتقالية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات يتم من خلالها دراسة قطاع المياه من كافة جوانبه وتقييم أدائه ومعرفة الكيفية التي سيتعامل بها لمواجهة الطلب المتزايد على الماء وإعادة هيكلته وزيادة موارده وتنمية أدائه ورفع كفاءته وتحسين مستوى الخدمات التي تقدمها المديريات في مختلف مناطق المملكة. ولذلك تمت الموافقة على الترخيص بتأسيس (شركة المياه الوطنية) برأس مال قدره 22 مليار ريال بحيث يكون من مهامها - وفقا لنظامها الأساسي - القيام بتوفير وتقديم جميع خدمات قطاع المياه الجوفية وقطاع توزيع مياه الشرب وتجميع الصرف الصحي ومعالجته على أسس تجارية سليمة، كما تحصل الشركة على جميع استحقاقاتها مقابل خدماتها في مواعيد محددة ومنتظمة من قبل جميع المشتركين، كما تقوم بسداد كافة المستحقات المالية المترتبة عليها للدولة لقاء توفير المياه لها. ولم تأل الدولة جهدا في الأخذ بزمام المبادرة في تنمية الموارد المائية من مختلف مصادرها والتأكد من تقديم خدمات المياه بما يضمن رفاهية وكفاية واستقرار المواطنين والمقيمين، وهذا يزيد من أعباء الدولة ومسئولياتها تجاه متطلبات هذا المرفق الحيوي الهام كونه قطاعا خدماتيا بحتا وبحاجة مستمرة إلى التطوير والتحسين والحماية والصيانة، ولهذا فهو بحاجة إلى تكاليف مالية باهظة لإنتاجه وجلبه وتوزيعه على المستهلكين وبأحدث الوسائل التقنية والطرق الصحية والسلامة البيئية. وللمحافظة على كفاءة قطاع المياه ولدوره كأحد أهم القطاعات الحساسة التي تسهم بشكل فاعل في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للبلاد في الاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية والزراعية وأغراض الري والتشييد والبناء ولغرض توزيع متوازن للمسؤوليات وتخفيف الأعباء الملقاة على كاهل الدولة فقد تم التوجه لخصخصة قطاع المياه لتشجيع استثمار الأموال في تطويره وتنميته من جهة وتخفيف هيمنة الدولة على هذا القطاع وتحريره من القيود والقوانين التي تفرضها الإجراءات الحكومية الروتينية على القطاع الخاص من جهة أخرى. قطاع الكهرباء: حظي قطاع الكهرباء - منذ بدايات نشأته - بدعم ومساندة متواصلين من حكومة خادم الحرمين الشريفين تمثل في تمويل العديد من المشاريع الكهربائية في المدن والقرى والهجر وإيصال الخدمات الكهربائية إلى جهات متباعدة ومناطق نائية وعبر مسالك وعرة وجبلية أحيانا، وما يتطلب ذلك من تكاليف باهظة وجهود مضنية بدءا من مرحلة الدراسة والتخطيط وشراء المعدات من مولدات وشبكات نقل وتوزيع وانتهاء بالتشغيل وبدء الإنتاج. وبفضل الله ثم بفضل الدولة في دعم قطاع الكهرباء فقد تمت هيكلته وتنظيمه من خلال خطوات دمج مرافق وشركات صغيرة على صعيد المناطق، مما نتج عنه شركات موحدة ذات كيانات متماسكة في تلك المناطق (عرفت آنذاك بالشركات السعودية الموحدة للكهرباء)، ثم كانت الخطوة الواسعة عند القيام بصهر تلك الشركات الموحدة في شركة سعودية واحدة على مستوى المملكة (لتصبح الشركة السعودية للكهرباء) لتكون قادرة على النمو والتطور والاعتماد على إمكاناتها البشرية وقدراتها الذاتية نحو القيام بمهامها وربط مناطقها ونشر خدماتها وتحقيق متطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصناعية ولترقى بخدماتها المقدمة إلى الأفضل لترضي توقعات وآمال المستهلك توليدا ونقلا وتوزيعا. وبالنسبة لتوجه الدولة لتخصيص قطاع الكهرباء والاستثمار في مرافقه، فإن الخطوة التي ستعقب دمج مرافق وشركات الكهرباء وتوحيدها هو التفكير جديا في تخصيص قطاع الكهرباء وجعله قطاعا استثماريا أهليا مربحا، ولتهيئته لأن يكون كذلك فلا بد من إدارته إدارة مثلى تستند إلى التفكير الواعي والتخطيط السليم من حيث اختيار وحدات التوليد حجما ونوعا والتشغيل الاقتصادي لترشيد الوقود والتنسيق المنظم مع فئات المستهلكين في إزاحة الأحمال وعدم تكالبها في أوقات الذروة وكذلك المواءمة بين عمليتي إنتاج الطاقة الكهربائية واستهلاكها الاستهلاك الأمثل بغية ترشيدها وحسن استخدامها والمحافظة عليها. ولكي تؤتي هذه الجهود ثمارها فلا بد أن توجه نحو تهيئة سوق صناعة الكهرباء للمنافسة من خلال إتاحة الفرص في مجال الاستثمار أمام القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع الطاقة الكهربائية المعروفة ب "مشاريع الإنتاج المستقل" لتشجيع المطورين في القطاع الخاص للتنافس على المشاركة في مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية، ومن أهم ملامح هذه المشاريع هو قيام المطور بمشاركة الشركة ببناء وتملك وإدارة وتشغيل مشاريع محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، مع التزام الشركة بشراء كامل الإنتاج بموجب عقود طويلة الأجل مع توفير الوقود والموقع اللازمين للمشروع ومن ثم ربطه فيما بعد بشبكات الشركة العامة. ومن المعروف أن موضوع الاستثمار في قطاع الكهرباء يكتسب أهمية خاصة في الوقت الحاضر لتزامنه مع توجه المملكة جديا نحو التفكير في تقليل الاعتماد على البترول كمصدر رئيسي للدخل والاتجاه نحو التخصيص والذي سيتم على صعيده نقل قطاعات خدماتية مهمة مثل الكهرباء والصحة والاتصالات والنقل والمواصلات إلى ملكية القطاع الخاص وإزاحة بعض الأعباء المالية والإدارية عن كاهل الدولة.وتكتسب قضية التخصيص أولوية هامة في هذه المرحلة بالذات مما يجعل قضايا التمويل ذات الأهمية الأساسية في نجاح برامج التخصيص مجالا للتفكير ومحورا للنقاش وإعمال الفكر لاجتذاب رؤوس الأموال المهاجرة والمستثمرة في الخارج. *أستاذ الهندسة الكهربائية - جامعة الملك سعود د.عبدالله بن محمد الشعلان*