في يوم من الأيام كان لدى اليورو طموحات في أن يكون في وضع يسمح له بتحدي الدولار وأن يكون الخيار المفضل للعملة الاحتياطية العالمية. وبدلاً من ذلك، نجد اليوم العملة الأوروبية المشتركة بدأت تفقد أفضليتها كسلعة أو مخزن للقيمة، وفي الوقت الذي تبدأ فيه البنوك الأوروبية في تخفيض أنشطتها في التداول، فمن المرجح أن يتضاءل دور اليورو أكثر في المسرح العالمي. قبل عقد مضى، توقع بنك دويتشه أن يشكل اليورو ما نسبته 40 بالمائة من احتياطات العملات الأجنبية في العالم، وبدلاً من ذلك، حسب تقرير جديد أصدره البنك المركزي الأوروبي، فإن استخدامه كان يتراجع في كل سنة من هذا العقد، لينزلق في نهاية العام الماضي إلى ما دون ال 20 بالمائة، متفوقاً على الين الياباني الذي شكل حصة بلغت 4.1 بالمائة، ولكنه احتل المرتبة الثانية بعيداً عن الدولار الذي بلغت نسبته 64.1 بالمائة من احتياطات العملات الأجنبية العالمية. لا يزال اليورو في المرتبة الثانية كأكثر العملات المستخدمة في الدفعات العالمية، ولكن حصته من إجمالي التعاملات المالية انخفضت، في بداية عام 2014م، من 33.52 بالمائة إلى 31.47 بالمائة، وذلك حسب أرقام جمعتها جمعية SWIFT «سويفت».(على العكس من ذلك، نرى أن اليوان الصيني صعد من المرتبة السابعة إلى المرتبة الخامسة، بالرغم من استحواذه على حصة بلغت 1.76 بالمائة من إجمالي التعاملات). وهناك أيضاً غيمة محتملة أخرى على أفق اليورو، وهي التصويت الذي أجرته المملكة المتحدة يوم 23 يونيو حول الخروج من الاتحاد الأوروبي. من المعروف أن بريطانيا تسيطر على أنشطة سوق العملات، إذ بحسب أحدث تقرير أصدره بنك التسويات الدولية، فإن بريطانيا تتعامل بنسبة41 بالمائة من كل تجارة العملات الخارجية، ويشكل هذا أكثر من ضعف حصة الولاياتالمتحدة وهي 19 بالمائة، أو سنغافورة التي تأتي في المركز الثالث بنسبة 5.7 بالمائة. ولكن وقد وجدت المملكة المتحدة نفسها خارج الاتحاد الأوروبي، فستتضاءل قدرة المتداولين في لندن على التداول في السندات المقومة باليورو - على سبيل المثال، من المرجح أن تنتقل سوق التأمين على أسعار الفائدة إلى باريس - وكذلك تنتقل معها الشهية المصاحبة للتداولات في العملة نفسها. وعلى الرغم من أن جزءا من أعمال العملات الصافية سوف يعبر القنال مع الأوراق المالية، إلا أنه من المرجح أن تختفي نسبة منها إلى الأبد. ومع ذلك، فسيكون أكبر خطر تتعرض له مكانة اليورو هو التقلص المستمر في بنوك الاستثمار الأوروبية. فمثلاً في بداية هذا العقد، وحسب آخر مسح أجرته مؤسسة يورو موني، كان بنك دويتشه يسيطر على أكثر من 18 بالمائة من سوق العملات، بينما كان بنك باركليز يسيطر على أكثر من 11 بالمائة. والآن انخفضت تلك النسب إلى 7.9 بالمائة و5.7 بالمائة على التوالي. وعلى الرغم من أن البنوك الأمريكية تتداول أيضاً باليورو، إلا أنه من الواضح جداً أنه في الوقت الذي يتراجع فيه نشاط الشركات الأوروبية في سوق العملات، فمن المرجح أيضاً أن تصبح عملاتها المحلية أقل تداولاً من حيث الشراء والبيع. كما خسر الجنيه الاسترليني، على سبيل المثال، قسما من مواقعه، حيث تشير أرقام مؤسسة سويفت إلى انخفاض وجوده في الدفعات المالية العالمية لتصل إلى نسبة 8.87 بالمائة بعد أن كانت 9.37 بالمائة في السنتين الماضيتين. وعلى العكس من ذلك، أحرز الفرنك السويسري نسبة متواضعة بلغت 1.52 بالمائة بعد أن كانت 1.38 بالمائة، لأن حصة سوق العملات الأجنبية لدى بنك UBS انتعشت لتصل إلى 8.8 بالمائة بعد أن كانت 7.3 بالمائة قبل سنة مضت. حين تكون لديك عملة ناجحة فإن هذا ينطوي على أمور تتجاوز التباهي بالحقوق. وعلى الرغم من استحالة وضع قيمة بالدولار (أو اليورو) على السيولة، إلا أن الانقباض الائتماني علَّمَنا أنه عندما تجف التداولات، فسيعاني نظامك المالي بطريقة غير متكافئة، لسوء حظ اليورو، تشير الأدلة إلى أن النجاة من الأزمة الوجودية التي وقعت قبل سنوات قليلة لم تفعل شيئا لتعزيز الشعبية العالمية لليورو.