لماذا سمي رمضان بهذا الاسم؟ وهل اشتركت ديانات أخرى في مفهوم الصوم؟ ولماذا اشترك كثير من الديانات والطوائف والحضارات على اختلافها المتباين في شعيرة الصوم؟ هذه بعض من الأسئلة التي خطرت في ذهني عن الصيام خلال شهر رمضان الكريم المبارك والمفعم بالروحانية. ولعلي أحاول أن أشارككم بعضا من الإجابات التي أتمنى أن تكون شافية ولو جزئيا عن تلك التساؤلات. أما لماذا سمي رمضان بذلك؟ فيقال إنه مشتق من الرمض، وهو المطر الذي ينزل قبل الخريف حيث تكون الأرض حارة جدا. ولكن الرأي الأعم أن كلمة رمضان جاءت من الرمضاء وهي شدة الحر والقيظ. ولكني أحببت معنى (الرمض) لأنه مثل المطر الذي يغسل الأرض ويبرد عليها من حرارتها، وكذلك هو رمضان يغسل لسعة وحرارة الذنوب، فيبرد على القلوب بعد طول جفاء وقسوة، فلعلها تشرق خضراء يافعة من جديد. أما من الناحية التاريخية، فقد كان الصيام مفروضا على أمم من قبلنا ولكن بأشكال وأوقات مختلفة. والله سبحانه وتعالى يقول «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». ففي اليهودية على سبيل المثال يصومون ما يقارب من 24 ساعة متتالية، ويمتنعون عن الأكل والشرب والجماع. إضافة إلى ذلك أنهم يمتنعون عن الاستحمام والعطور، وعن استبدال الملابس، ولا يرتدون الأحذية ولا يغسلون أسنانهم!! وينامون على الأرض ويتوقفون عن الأعمال ( بمعنى كسل وتصوّف مغال فيه ومنبوذ). واعتقد أن ذلك تشدد وتنطع غير طبيعي. ولذلك كان جمال ديننا الإسلامي في الوسطية ومراعاة الفطرة الإنسانية، والاهتمام بالنظافة الجسدية والروحية، بل ونبذ كل أشكال التشدد والتنطع والغلو. ولذلك قال حبيبنا عليه الصلاة والسلام «إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وقال أيضا «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه». وإذا ما بحثنا عن الصيام في النصرانية، فهو يختلف باختلاف الكنيسة ما بين الكاثوليكية،والبروتستانتية، والأرثوذكسية، وتتراوح مدة أيام الصوم ما بين يوم إلى خمسين يوما. ولكنهم يتفقون على صوم يوم واحد وهو (ميلاد المسيح ) والذي يوافق 25 من ديسمبر. وأما عن كيفيته ففيه اختلاف كبير أيضا، ففي قضية الأكل والشرب هناك تحديد لأنواع وأصناف معينة عند البعض منهم، بل هناك من يذكر أن الخلاف عند فئة من الطوائف يصل إلى أبعد من ذلك في قضية هل إن الجماع يبطل الصوم أم لا؟!.وبسبب هذه الاختلافات والتفرعات الكثيرة المضنية علينا أن نحمد الله على أن مسألة صيام رمضان التي هي ركن من أركان ديننا الحنيف واضحة وجلية في أوقاتها وأشكالها وكيفيتها، وتلك نعمة من نعم الله علينا. وأما خلال فترة الجاهلية، فقد كانوا يصومون يوم عاشوراء، وجاء في الحديث أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء. وقد كان الصوم أيضا معروفا عند كثير من الأمم والشعوب والحضارات السابقة مثل اللاتينية، اليونانية، الجرمانية، الفارسية، والهندية وغيرها. بمعني أن الصوم هو فريضة وتقليد عالمي وديني وحضاري. فما السبب وراء ذلك الانتشار العالمي والإنساني الواسع؟ أعتقد أن من أسباب انتشار مسألة الصوم عالميا أن الإنسان يحاول أن يقدم شيئا مميزا وثمينا إلى خالقه بأن يمتنع عن المباحات الضرورية من أكل وشرب وغيره، ويُقبل على التقشف وترك بعض من الملذات تقربا لله عز وجل، والارتقاء بالنفس من عالم المحسوسات إلى عالم الروحانيات. هي حقا رياضة روحية ونفسية وجسدية، ولذلك كان للصوم ميزة ومنزلة خاصة عن سائر العبادات والشعائر. وقد جاء في الحديث القدسي «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».