يحمل شهر رمضان في طياته الخير والبركات وتسوده فروض روحانية يسودها القرآن الكريم وأعمال التقرب لله، وللعديد من الأدباء والمثقفين طقوس خاصة تجمع بين الروحانية والفكر والتأمل لتصبح ليالي رمضان في حياتهم نقطة تحول إبداعية تجسد المشاعر والأحاسيس للتقرب الى الله في الشهر الكريم. وفي محاولة للتعرف على طقوس بعض الأدباء في شهر رمضان قام «الجسر الثقافي» بطرح مجموعة من التساؤلات على بعض الأدباء والكتاب السعوديين والمصريين حول شهر رمضان وأثره على العمل الإبداعي فكانت تلك الإجابات.. حكايات ملحة تقول الناقدة والكاتبة السعودية الدكتورة ملحة عبد الله: أتفرغ تماما للصيام والصلاة وتلاوة ما تيسر من القرآن إلى جانب بعض الأعمال مثل كتابة مقالاتي في جريدة (الرياض) وبعض اللقاءات التليفزيونية والإذاعية، يبدأ اليوم ببعض تلاوة القرآن حتى الثانية عشرة ظهرا ثم الصلاة بعدها أدخل المطبخ لأن مزاولة إعداد طعام الإفطار هواية وأيضا مسل في نفس الوقت. عقب الإفطار أتابع حلقات برنامجي (حكايات ملحة) والذي يذاع على القناة الفضائية السعودية، أشاهده كأنه أول مرة ألعب دور المشاهد وأنسى تماما أنني من يتحدث حتى أعمل على قياس إيقاع الحلقة، ثم تتنوع الأعمال بين صلاة التراويح والتضرع إلى الله أن يتقبل من جميع المسلمين صيامهم وقيامهم ثم أعكف على تلاوة ما تيسر حتى السحور، ولدي أعمال كثيرة تحتاج إلى إتمام ومنها كتاب (اقتصاد الوجدان) وهو مشروع لأول مرة يتناول قضية هامة في يومنا هذا وهي كيفية تطوير الخطاب الثقافي وكيفية التأثير في المتلقي، الكتاب يبحث في أهمية الوصول إلى الوجدان.. لأن الوجدان هو مكمن اللذة وهو ما يجعلنا نجلس مشدودين للمرسل إذا ما تسلل إلى عمق الوجدان، إمكانية الوصول للوجدان عملية تستوجب الانتباه إلى طبيعة المتلقي وأسره بخطاب له أركان يتكئ عليها، وأنا مشتغلة بهذا الكتاب وبعد العيد إن شاء الله أشرع في تكملته، ولكنني اؤجل معظم أعمالي الأدبية بعد رمضان لأن رمضان بالنسبة لنا فرصة كبيرة تتضاعف فيها الأعمال، فلا يجب أن نشغل أنفسنا في هذا الشهر الفضيل سوى بالعبادة تقبل الله منا ومنكم من جميع المسلمين. مجال القراءة وأضاف الشاعر والروائي السعودي سعد عبد الله الغريبي قائلا: رمضان شهر الخير والبركة، فيه أجد الوقت يتسع أمامي ويوفر لي ما لا يتوافر في غيره من الشهور وبخاصة أنني أنظم وقتي وأرسم برنامجي بدقة وأوزعه بين الواجبات الدينية والأسرية والاجتماعية. ومما يساعدني على ذلك أني غير متابع للبرامج الرمضانية التي تبثها القنوات التلفازية كالمسلسلات والمباريات والمسابقات. أتابع بعض البرامج الحوارية الهادفة فحسب وليس لدي ارتباطات يومية خارج البيت مع الأصدقاء إلا ما كان من مناسبات ثقافية كمعرض الكتاب الخيري الذي يقيمه نادي الرياض الأدبي هذه الليالي. أنام ست ساعات بعد صلاة الفجر فأستيقظ في العاشرة والنصف صباحا وتكون هذه الفترة لمطالعة الفيسبوك وتويتر والبريد الإلكتروني والصفحات الثقافية - فقط - في صحفنا المحلية في مواقعها الإلكترونية. بعد صلاة الظهر هناك ساعة واحدة للقيلولة وبعد العصر لنشرات الأخبار ثم قراءة جادة في كتاب مختار. بعد المغرب فترة مخصصة للأسرة وبعد العشاء قراءة وكتابة يتخللها مشاهدة بعض البرامج التلفازية الحوارية ونشرات الأخبار إلى قرب ساعة السحور. ليس هناك عمل محدد كتبته في رمضان فحينما يحل رمضان أواصل ما كنت بدأته. لكني أنجز في مجال القراءة ففي كل عام أخصص كتابا أو أكثر من كتب التفسير أو الفقه أو التراث - بحسب حجم الكتاب - وهذا العام بدأت الشهر الكريم بقراءة كتاب (الروح) لابن القيم وسأتبعه بغيره إن شاء الله.. الورقة والقلم وأضاف الروائي السعودي يوسف المحيميد: اقضي الشهر الكريم في قراءة القرآن وتأدية الصلاة. وعقب صلاة التراويح يتم تخصيص ساعتين للكتابة. الروائي لا يستطيع أن يعتزل الورقة والقلم ولا يمكن أن يوقف الحس الإبداعي ورغبته في تجسيد مشاعره وأفكاره، فهي جزء من تكوينه، لدي روايتان بدأت فيهما ولم أنته بعد، وأجد أن الطقوس الروحانية التي نعيشها في الشهر الكريم، تولد طاقة إبداعية جديدة بمذاق خاص، يصعب على المبدع استعادته إلا خلال الشهر المعظم، فتلاوة القرآن وأداء صلاة التراويح تساهم في القضاء على التوتر وتزرع السكينة في النفس واللذة في المشاعر، فتجعل الكاتب يقدم عملا أحيانا يدهش عندما يقرأه هو شخصيا لأنه تم في أجواء مفعمة بالحب والتقرب لله عز وجل. قدسية خاصة يقول القاص السعودي حسن البطران: يظل وسيبقى شهر رمضان يحمل قدسية خاصة وفيه تتغير سلوكيات الفرد ايا كانت هويته الثقافية وبهذا تكون له طقوس معينة تختلف عن بقية شهور العام وأنا كغيري من الناس تتغير سلوكياتي وطقوسي اليومية والحياتية في هذا الشهر حتى طريقة نومي ومدتها فكثيرا ما يغلب علي قراءة بعض ما تيسر من آيات القرآن الكريم وبعض الادعية الخاصة بهذا الشهر وأحاول ان أسرق نفسي لمشاهدة بعض القنوات الفضائية وكذلك بعض الزيارات للاصدقاء والأهل واتناول في جزء يسير من الوقت بعض الكتب التاريخية. وتقول الكاتبة والروائية السعودية زينب البحراني: شهر رمضان يمتاز بأجوار روحانية فريدة في مذاقها، تلك الأجواء تضاعف من الصفاء الذهني للمبدع واستقبال روحه للإلهام الفني والأدبي، ما يجعل من أيامه فرصة مثالية لاقتناص الأفكار وكتابتها. بالنسبة لي تتضاعف شهيتي للقراءة في شهر رمضان، هناك كتب تلذ لي إعادة قراءتها بوجه خاص، أحاول قدر المستطاع حماية نفسي من أي ضغوطات أو التزامات مجتمعية غير ضرورية، الأعباء المهنية والوظيفية تفترس معظم وقتي في هذا الشهر بكل أسف وتفسد الكثير من مخططاتي وطموحاتي الروحانية والإبداعية، لكن «ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه». شهر رمضان يجعلني في مواجهة مختلفة مع ذاتي كل عام، أكتشف نفسي من جديد في كل مرة، احسب أرباحي وخسائري المعنوية، أتدارك ما فاتني على مختلف الأصعدة، وأحاول الإضافة إلى مكتسباتي بوعي وعناية. تقول الدكتور أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة: حرصنا على إقامة ليال ثقافية رمضانية ومنها ندوة بوشكن والثقافة العربية وورش عمل فنية وثقافية للأطفال والكبار، وتقام حفلات إنشاد وتواشيح وموسيقى عربية، وعدد من المسرحيات التي تحمل الطابع الثقافي والديني ونذكر منها مسرحية (فتح مكة) للفنان حسن يوسف، وخلال الشهر الكريم ينطلق مشروع جسور لشباب المبدعين بهدف تطوير المنتج الثقافي وتهيئة المناخ العام للإبداع، وهذا المشروع تضمن عدة ورش عمل في مجالات الكتابة الإبداعية (دراماتوراجيا)، قصة قصيرة، حكي السيناريو، ودورات في أدوات النقد الحديث، ونقيم احتفالية كبيرة في رمضان لتكريم المتميزين في ورش العمل. التنظيم العقلي ويؤكد الدكتور محمود الضبع نائب رئيس هيئة الكتاب، أنه شهر غزارة الانتاج الفكري والأدبي، فطول ساعات الصيام جعلتنا نستثمرها بشكل إيجابي ومنظم بين قراءة القرآن والعبادة والنشاط الأدبي، حرصت على التنظيم العقلي والكتابي، فالطاقة الإنتاجية الأدبية تتضاعف في الشهر الكريم، وعلى وشك الانتهاء من كتاب (الثقافة والهوية والوعي العربي )، كما استمر في تجهيز عدد من سلاسل دراسات مراصد عقب العيد، حيث صدر مؤخرا من خلال مراصد (شرفات) عدد بعنوان (تقرير حالة الآداب في مصر)، كما أن رمضان فرصة للانتهاء من كتابي الجديد، هذا وقد حرصت الهيئة على إقامة معرض فيصل الرمضانى للكتاب فى دورته الخامسة والذى تقيمه هيئة الكتاب في الفترة (10 - 21 رمضان)، بمشاركة 49 ناشرا، ويشهد العديد من الأنشطة المتنوعة، ويضم جناح هيئة الكتاب أحدث إصدارات الهيئة فى مختلف المجالات وسلاسل النشر بخصومات تصل إلى 20 %، وكذلك إصدارات مكتبة الأسرة بمختلف سلاسلها. سعادة خاصة أما الناقد المصري الدكتور صلاح فضل فيقول: شهر رمضان له نكهة وسعادة خاصة لا يعرف سرها إلا الله، وهي تنقدح في قلب المسلم وغير المسلم، وقد حكى أحمد بهجت عن تجربته معها بقلمه الرشيق قائلاً: «أشعر في الليلة الأولى وكأنني أرى من خلال نفسي كل نفوس الآخرين في الوجود، وينمو داخلي الحنين فأود أن أعثر على النملة التي كلمت سيدنا سليمان لأقبلها، وأتمنى أن ألقى الحوت الذي ابتلع يونس لأربت على رأسه، وأفكر عبثا في قبر الهدهد الذي حمل الرسالة لبلقيس وعاد ليحكي لسيدنا سليمان عن عبادتها للشمس، أين يقع قبر هذا الهدهد؟! أي روعة أن يُبعث الهدهد ليتحدث قليلا عن عبادة الشمس». وهكذا تتوحد مشاعر أحمد بهجت في بداية شهر رمضان مع تاريخ الأنبياء العظام وأصحابهم ومن عاش معهم حتى لو كانوا من الحيوانات والطيور، فهو يرغب أن يرى نملة وهدهد سليمان وحوت يونس وحمار العزير والتوحد مع الكون كله. بل إنه يشعر في الشهر الفضيل بالحب للخلائق جميعا، ويعبر عن ذلك بقلمه الرائع وأشعر في هذا الشهر بأن كل شيء في الدنيا يقوم على الحب، هذه المشاعر الرائعة التي تموج بقلب ونفس أحمد بهجت وقلوب المؤمنين الصادقين يعجب المرحوم بهجت من صديقه الذي يقول له: «تعال إلى الجامع نخطف ركعتين»، فيقول له: تخطف ركعتين لله، يرتكب الناس ذنوبهم بإتقان وتأن ورسم سابق وخطط محكمة وإعداد قديم، فإذا تعلق الأمر بالخالق خطفنا له ركعتين. رحم الله صوفي الصحافة المصرية العظيم، وفارس القلم الذي لم يتلوث بالشهوات أو الشبهات «أحمد بهجت» الذي بارك الله في قلمه وكلماته ومشاعره فوصلت إلى أجيالنا وعشنا في معانيها السامية.