"لا لن أمسك القلم خلال شهر رمضان".. "لا يأتي الوحي إلا وأنا صائمة".. "أركز في الكتابة قبل ساعة من الإفطار".. "أركض بعد الإفطار إلى اللابتوب مع فنجان قهوتي حيث تنهال الأفكار مثل زخات مطر يناير". هذه هي أحوال بعض الكتاب والمثقفين خلال رمضان المبارك. بعضهم ينقطع عن ممارسة العمل الأدبي، فيما يكتشف آخرون أنهم أكثر قدرة على العمل خلال ساعات الصيام بين وطأة الجوع والعطش.. وهذا كله يتماهى مع الطقوس الخاصة لكل منهم خلال الشهر الكريم. طاقة روحانية ترى الروائية السعودية زينب البحراني أن "شهر رمضان يمتاز بطاقة روحانية عالية يندر أن تتكرر في المواسم الأخرى، وهي طاقة مثالية جداً للبحث والفكر والكتابة بالنسبة لي، لذا تتضاعف خلاله شهيتي للقراءة والإبداع والتعبير عن آرائي بحريّة، ويكون انطلاق روحي استثنائيا، فيما أقضي أوقات أخرى في التأمل ومحاولة التقرب إلى الله بالقلب والعقل واللسان، كما أستثمر الفرصة خلاله لتمضية أطول وقت ممكن مع أسرتي، بمعنى أنني أحاول خلاله الابتعاد قدر الإمكان عن ضجيج العالم الخارجي المادي، كي أهب روحي مساحات من السلام لتتنفس وتولد بصورة أكثر نقاء.. إنها فترة مثالية لمواجهة الذات، ومصارحتها بهدوء، وجرد حساباتها بكثير من الموضوعية وشيء من الحنان". إيقاع مختلف ويمثل رمضان المبارك كثيراً للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق، وهي تقول "أعيش إيقاعه الروحاني الجميل، ينبعث من بين جنباته كمّ كبير من النوستالجية، التي أسترجع فيها حياتي مع عائلتي". أما عن إيقاع حياتها خلاله، فتقول "أستيقظ يوميا قبل السحور بقليل، لأحضر طاولتي وخبزا طازجا كما كانت تفعل أمي بالتبني "ماما كلثوم".. أحب رائحة الخبز والقهوة في هذا الوقت. أتسحر وأقرأ ما تيسر من القرآن الكريم حتى يعلو أذان الفجر فأصلي، خصوصا أن عادة صلاة الفجر ترسخت في داخلي منذ الثالثة عشرة، لأني عشت في بيت يحترم مواقيت الصلاة. وما زلت أسمع في أذني حتى الآن صوت أبي الذي رباني رحمه الله وهو يقرأ القرآن كلما قرأته. ولا أعود للنوم عادة لأن أفضل وقت للكتابة بالنسبة لي هو وقت الفجر. وحين يبدأ النهار أشعر بالتعب من الكتابة فأشاهد إعادة بعض المسلسلات. أرتب البيت وأحضر إفطاري، فيكون الوقت قد تجاوز صلاة الظهر فأنام ساعتين. أستيقظ بعد الظهر لأقرأ مزيدا من القرآن. كما أن ختم القرآن الكريم خلال الشهر الفضيل أيضا من العادات التي رباني عليها أبي بالتبني رحمه الله. عموما لا أحب أن يزعجني أحد في هذا الشهر أو يخلط مواقيتي ببعضها. لهذا عادة لا أرد على هاتفي. أضعه صامتا وأفصل هاتف البيت، لأني أعيش أحد عشر شهرا في العام من أجل الجميع، فبالتالي من حقي أن أرتاح وأعيش شهر رمضان من أجلي". صالون أدبي وبعيدا عن الهدوء الذي تعيشه فضيلة الفاروق، وضعت الكاتبة والفنانة التشكيلية السعودية مها باعشن جدولا حافلا بالعمل خلال الشهر، حيث أنعشت الحركة الثقافية في بيت جدها محمد صالح علي عبدالله باعشن العريق، والذي يعود تأسيسه إلى ما قبل مئتي عام، وهي تقول "نقيم حالياً صالونا أدبيا ثقافيا خلال رمضان، بمبادرة طيبة من الأمير مشعل بن ماجد، من أجل استضافة أهم الكتاب في حلقات حوارية يديرها الكاتب ثامر شاكر.. وكان لدي قبل بضعة أيام محاضرة عن أعمالي الأدبية والجوائز المحلية والعالمية التي حصلت عليها، إضافة إلى جدرانية جدة وأيامنا الحلوة للشيخ منصور الزامل، التي أقامها في مكتب جدي رحمه الله. وأيضا ننظم فعالية مهمة جدا بعنوان "كان كذه"، التي يشارك فيها عشر رسامين، حيث يعيدون رسم صور حديثة لمنطقة جدة التاريخية بطريقة تشكيلية. والحمد الله لقيت هذه الفعالية رواجا كبيرا". ليس ذلك فقط بل تستغل مها باعشن هذا النشاط الثقافي الذي تنظمه في رمضان لنشر روايتها الجديدة "أيامنا الحلوة" عن مدينة جدة التاريخية والتراث والتاريخ الحجازي، وتقول "جمعت في الرواية بين شخوص في عالمنا الواقعي وآخرين في الخيال، من أجل إكسابها المصداقية والحيوية. كما سردت فيها جزءا من تاريخ أجدادي وبيت باعشن العريق".