الانتاج التلفزيوني الدرامي خلال شهر رمضان أثبت أنه لا يراعي حرمة الشهر الفضيل، ولا يتناسب مع قيمته ومكانته الروحية، وذلك ما يجعله عامل هدم وتخريب لعقول المسلمين وحرمان الأجيال من خيارات معرفية صحيحة وسليمة. جميع المسلسلات التي يتم عرضها عبر الفضائيات خلال الشهر الفضيل على سياق واحد من الابتذال والإسفاف، بما يتناقض مع حرمة رمضان وضرورة استغلال أوقاته في الذكر والعبادة، وليس التعرض لمثل هذه الأعمال المسيئة اجتماعيا ودينيا وإعلاميا، ما يتطلب دورا أكبر وأهم في وسائل الإعلام ومن خلال المنابر لتقليل الأضرار التي تترتب على بث مثل هذه المسلسلات التي لا تخلو حلقاتها ومشاهدها من مظاهر العري والخمور والمخدرات والانحلال الأخلاقي. في هذا التحقيق يرفض المختصون والمتابعون المسلسلات التي يتم عرضها في رمضان لأنها تصرف عن الذكر والعبادة وتقدم أعمالا مسيئة لحرمة الشهر والقيم الاجتماعية، وتؤثر سلبا على الأجيال التي تعيش ضغطا كبيرا من خلال هذه المواد المسمومة. الدور الإعلامي يقول معلم التربية الإسلامية حمد الربيعة، إن المسلسلات الدرامية التي تعرض في شهر رمضان لها أثرها البالغ على الجيل الحاضر، والاجيال القادمة ستتأثر بلا شك بما يعرض من مسلسلات وافلام، إنه الغزو الثقافي والفكري الذي أصبح يعشش في أذهان شبابنا وهم يتشربون منه دون رقيب أو حسيب، بل أحيانا بمباركة أولياء أمورهم وذويهم، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام بأداء رسالتها السامية في عرض الأمور النافعة المفيدة. ويضيف الربيعة: على الأسرة مراقبة أبنائها وما يشاهدونه من أعمال وتوجيههم نحو الأفضل، وتحذيرهم من الأعمال التي تنعكس سلبا على أخلاقهم وقيم دينهم، لذا علينا إعطاء هذا الموضوع أهمية كبيرة وألا نبقى مجرد متفرجين فقط لما يعرض وما تهدف اليه القنوات التلفزيونية مما تعرضه. غنائم كبيرة ويرى عبدالله شائع أنه في أيامنا تغير المشهد الرمضاني، صار أفراد العائلة يتحلقون حول التلفزيون لمتابعة المسلسلات والمقاطع الكوميدية المضحكة، وتغيرت أفكار جيلنا من حيث فهم رمضان فقد أصبح شباب هذا الجيل يعتقد أن الصوم يبدأ من فترة الإمساك إلى فترة الإفطار متناسيا ذكر الله عز وجل، ثم يبدأون بعد صلاة المغرب بالنظر إلى المسلسلات والسماع للأغاني معتقدين أن رمضان كباقي الأشهر في إضاعة الوقت في أمور غير مهمة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزُولُ قدما عبدٍ يوم القِيامةِ حتى يُسأل عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمُرِهِ فِيم أفناهُ، وعن شبابِهِ فِيم أبلاهُ، وعن مالِهِ مِن أين اكتسبه وفِيم أنفقهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عمِل فِيهِ». ويقول شائع: العبادة مطلوبة في كل أيام حياة الإنسان، فما بالك في أيام قليلة من العام فيها غنائم كبيرة للمسلم للعبادة والأجر المضاعف من الأعمال الحسنة، فلا يجب أن تتم إضاعة هذا الوقت الثمين للتغيير وتزكية النفس ورقيها في ساعات طويلة من متابعة التلفاز أو أي وسيلة إلكترونية أو ملهيات غيرها فرمضان موسم الخيرات فيجب الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن فرمضان شهر الرحمة والغفران فيه تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنة فلماذا لا تستغل هذه النقطة في التقرب إلى الله. ويضيف ان الدراما والمسلسلات، لا تصلح للعرض سواء في الموسم الرمضاني أو خارجه، فلا بد أن تكون هناك وقفة حازمة مع هؤلاء الذين يقدمون مسلسلات تهدم أخلاقيات وقيم وعادات مجتمعنا واننا نفتقد رقابة فعالة لكل ما يعرض على شاشات الفضائيات، فأصبح لا يخلو أي مسلسل من المخدرات، والصراعات، والخيانات الزوجية. ضياع للوقت ويوضح الداعية الشيخ فيصل القحطاني، أن على المسلم أن يحفظ وقته فيما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته، لأنه مسؤول عن هذا الوقت الذي يقضيه، بماذا استغله؟ وفي الحديث: أن المرء يسأل عن عمره فيما أفناه.. ويضيف القحطاني: ضياع الوقت من أخطر ما يكون على الإنسان، بل ينبغي أن يستفيد من وقته في طاعة الله، في صلاة القيام، وقراءة القرآن، والذكر وقضاء الأمور المباحة الحياتية، ولا ينبغي أن يضيع هذا الوقت بالنظر الى مسلسلات تهدم الأخلاق والقيم والكرامات، لذلك ينبغي أن تتكاتف الجهود لهذا الأمر، مبينا ان في شهر رمضان من الخيرات وأبواب المغفرة وسبل التوبة وكسب الحسنات من الفرص السانحة والمانحة التي تقرب العبد من ربه وتجلب له الخير ما ليس في سواه من الفرائض الأخرى، فقد قال رسول الله: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه». ويؤكد أن مشاهدة المسلسلات ضياع للوقت، فلا ينبغي للمسلم الانشغال بها، وهذا الانتشار الكبير من المسابقات والمسلسلات على القنوات الفضائية يستوعب الليل كله وجزءا كبيرا من النهار يبدأ من بعد العصر، وهذه الأوقات أوقات فاضلة ينبغي للمسلم المحافظة عليها واغتنامها ومن خلال ضياع الأوقات الثمينة في ليالي رمضان لمشاهدة المسلسلات ومتابعة المسابقات، فإن الإنسان المسلم يفوته خير كثير وأجر عظيم، لأنه لا يمكن للإنسان أن يتابع المسابقات ويشاهد المسلسلات، وأن يقوم في نفس الوقت بقيام رمضان كما ينبغي ويرضاه الرب، وتلك دعوة نوجهها إلى أولياء الأمور أن يتقوا الله في أبنائهم وزوجاتهم بمنعهم من متابعة تلك الحلقات الخطيرة على قيمنا وديننا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا. شهر عبادة وليس مسلسلات ويضيف المرشد التربوي عبدالله الربيع: من الصعب سيطرة الأب على البرامج والمسلسلات التي تعرض في شهر الخيرات وتأثيرها على الأسرة والمجتمع في شهر رمضان نظرا لما تسببه هذه المسلسلات من آثار سلبية من تفاقم الخلافات الزوجية وزيادة حالات الطلاق في مجتمعاتنا، وتأجيج الغيرة بين الزوجين التي تنعكس بضرر بالغ على الأبناء في ظل انعدام أو سيطرة الأب والأم على الرقابة بعد ثورة وانتشار وسائل الاتصال والإعلام والإنترنت والفضائيات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة. ويتابع الربيع «رمضان شهر صيام وشهر عبادة وليس شهر مسلسلات، ومن المهم إدراكك لمساوئ الإفراط في متابعة المسلسلات والبرامج الرمضانية، ضع لنفسك برنامجا للأعمال الأخرى والأنشطة والعبادات التي ستقوم بها في رمضان، لا يجب أن يكون هناك وقت للفراغ حتى تضيعه، قال الإمام الحسن البصري: (الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم، انقضى بضع منه)، تحكم في نفسك، وكن واعيا ومدركا مشاهد ما يعرض أمامك وعائلتك على التلفاز»، مؤكدا أن الإقبال على النوعية الجديدة من المسلسلات في شهر رمضان يعكس ضعف الوازع الديني وغياب الرقابة الأسرية، محذرا من مخاطر الانجراف وراء قيم غير أخلاقية. إشغال الناس ويقول عبدالله الشديدي إن كثيرا من القنوات التلفزيونية الفضائية تعرض مسلسلات في موسم رمضان، وللأسف أن بعض القنوات أخذت على عاتقها حرمان المسلمين من هذه الروحانية والسمو النفسي والرقي الأخلاقي التي تبث سمومها في شهر رمضان المبارك، وأخطرها المسلسلات التي تشجع العلاقات المحرمة القائمة على الصداقات، واختلاط الأنساب وقبول ذلك في الأسرة الواحدة. ويضيف الشديدي: قضية إشغال الناس وفئة الشباب خصوصا بالمسلسلات في شهر رمضان المبارك من الأمور الخطيرة التي تسعى لهدم أخلاق الشباب ولابد من دور واضح للبيت والمدرسة والجهات المعنية والدعاة والمربين والاجتماعيين، يأتي في وقت يكون فيه المسلم بحاجة إلى العودة إلى الله في هذا الشهر الكريم الذي تتضاعف فيه الحسنات، وينبغي اغتنام كل لحظة في هذا الشهر وأن يكون الصيام والقيام وتلاوة القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء هي السمة الغالبة على حياة المسلم في هذا الشهر، فما الحكمة من كثرة المسابقات والمسلسلات في رمضان بالذات. التسلية والقدوة ويقول محمد العسيري: كان السلف الصالح يستقبلون شهر رمضان بالفرح، ينتظرونه من العام الى العام، وكانوا يستعدون له بالتوبة النصوح ورد الأموال الى أصحابها، لعلمهم أنه موسم عظيم من مواسم العبادة فيتهيأون له بالتوبة وتطهير القلوب، ولذلك كانوا يتدربون على العبادة حتى لا يأتي إلا وقد تعودوا على كثرة الصلاة وكثرة الصيام، وقدوتهم في ذلك رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إذ كان في شعبان يكثر من الصيام، وكانوا يستعدون له بالبحث عن الفقراء والمحتاجين كي يواسوهم في الشهر الكريم، لقد كانوا وكانوا، كثيرا ما نسمع اخبارهم وسيرهم، لكن سماعنا للتسلية لا للقدوة والاقتداء بهم، فما أحوجنا الى الاقتداء بهم في استقبالنا لشهرنا وفي جميع أحوالهم. وقفات مع رمضان ويقف إمام مسجد الشيخ فلاح الحربي «رحمه الله» بالدمام سعد الحربي، عدة وقفات من واقع انشغال الناس بالمسلسلات في شهر رمضان، أما الوقفة الاولى: ان نعمة الله علينا ان مد في اعمارنا حتى أدركنا هذا الشهر الكريم وانه من الغبن ان نضيع كل دقيقة بغير طاعة فرأس مال المسلم هو عمره فكيف اذا كان في مواسم الطاعات! والوقفة الثانية: رمضان موسم عظيم لترك المألوفات وما اعتاده بعض الناس من التحلق عند الشاشات والنظر الى المحرمات في شهر عظيم تغفر فيه الزلات وتمحى به الخطيئات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) رواه البخاري، أما الوقفة الثالثة: الوقت هو رأس مال المسلم يقول ابن هبيرة رحمه الله: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع وقد قيل ان من المقت اضاعة الوقت! ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وصححه الالباني في صحيح الجامع. ويستطرد الحربي: أما الوقفة الرابعة فإن من الناس من يريد ان يفرغ رمضان من محتواه الصحيح من قراءة القرآن والنظر في تفسيره وصيامه وتفطيره وذكر الله عز وجل وعمل الصالحات فيه الى إشغال الناس بغير المفيد والنظر الى ما لا تحل مشاهدته وسماع ما لا يحل سماعه، ووقت المسلم ثمين وعمره يمضي وحري به ان يستثمر وقته بالمفيد، قال الحسن البصري: من علامة إعراض الله عن العبد ان يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانا من الله عز وجل. مضيعة للوقت ويقول إمام مسجد الفيصلية بالقيصومة الشيخ عيسى العنزي، إن شهر رمضان شهر عظمه الله وفرض علينا صيامه فمن تعظيم الله سبحانه تعظيم هذا الشهر المبارك ومن توقير الله توقير هذا الشهر المبارك وتعظيم هذا الشهر يكون بإيقاع العبادة العظيمة فيه واستغلال أوقاته في القربات والطاعات والحرص أشد الحرص على أوقاته ولحظاته ولياليه وأيامه، قال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). ويتابع العنزي: رمضان شهر يزداد الصالحون فيه صلاحا وقربا ويتوب فيه المذنبون والمقصرون رجوعا الى ربهم وأوبة، ويتدارك فيه المفرطون تقصيرهم في سالف الأيام، وإن ما يحزن في النفس ما يفعله بعضهم من العكوف والانكباب على الأفلام والمسلسلات التي أقل ما يقال فيها انها مضيعة للوقت، ناهيك عن المحاذير الشرعية التي تحتويها، فهم بذلك يفرطون في ليالٍ فاضلة وأوقات مباركة. فهذا الشهر المبارك شهر المغفرة والتوبة استدراك التقصير في أيام مضت من عمر الإنسان فيه، يجب على المسلم أن يستغل هذا الشهر العظيم في الطاعات والقربات والبعد كل البعد عن الذنوب والمعاصي ابتغاء رحمة الله وعظيم فضله. ثمرة الصيام عبدالعزيز المالكي يقول: إن رمضان الكريم هو موسم الخيرات وموسم الطاعات يختلف رمضان عن باقي شهور السنة الأخرى فلابد ان نستغل كل دقيقة وكل ساعة في شهر رمضان، ويرجع أصل أهمية الصيام الى تقوى الله التي يثمرها الصيام وبخاصة صيام شهر رمضان، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» [البقرة: 183] وإنما يثمر الصيام التقوى، لما فيه من إلزام الإنسان نفسه بطاعة ربه، وحقيقة التقوى، امتثال أمر الله بفعله، وامتثال نهيه باجتنابه. ويشير المالكي الى أن المسلسلات في شهر رمضان تبدأ من بعد صلاة المغرب الي صلاة الفجر، وهذا ما يعانيه مجتمعنا وخاصة بناتنا وشبابنا، وما هو إلا فراغ لأن الرقابة الذاتية غائبة والقدوة شبه معدومة من تقصير في التربية. رمضان بين زمنين ويتحدث زايد النجدي، 77 سنة، عن صيام شهر رمضان في الماضي بقوله: رمضان في زماننا كان جميلا، فالحياة كانت بسيطة وغير متكلفة كما هي هذه الايام، فالناس كانوا متكاتفين ومتآزرين في السراء والضراء، وكان الأهالي يستقبلون شهر رمضان المبارك، في ظل البساطة وحفاظهم على العادات التي توارثوها عن أسلافهم، وكانت له مكانة خاصة عند الناس فالجيران والاقارب لا يفطرون وحدهم، إنما يفطرون جماعيا بشكل دوري، فكل يوم يتبادلون وجبة الفطور عند واحد منهم. ويضيف النجدي: هذه المظاهر تجعل رمضان عاملا يخلق الود والمحبة بين الأهالي والجيران واستغلال الاوقات في العبادات والتقرب الى الله، على الرغم من انشغالهم بمزاولة الأعمال الحرفية الشاقة، ولكن العديد من هذه العادات بدأت تغيب إن لم تكن قد غابت في ظل متغيرات الحياة والوسائل الحديثة. أجيال تضيع مع الجذب الدرامي في غياب الرقابة الأسرية