في تقرير حديث لصندوق النقد الدولي صدر في مايو الماضي، ذكر فيه أن «التكلفة السنوية للرشوة-العامل الأساسي للفساد- تتراوح بين 1.5 و2 تريليون دولار، أي حوالي 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي». وبحسب التقرير الذي عرف الفساد بأنه «سوء استغلال منصب عام لتحقيق مكسب خاص» فإن الفساد يؤثر كثيرا على عملية التنمية الاقتصادية، ويضعف قدرة الدولة على تعبئة الإيرادات وأداء وظائفها الأساسية، بحسب التقرير. كما أنه يضر بثقافة الامتثال المؤدي إلى التهرب الضريبي لتنخفض على أثرها إيرادات تحصيل الدولة فتعجز عن تقديم الخدمات العامة، ويؤدي إلى تضخيم تكاليف عملية المشتريات الحكومية، فيقلل كمية الإنفاق العام ويخفض مستوى جودته، ويمكّن من اختلاس الأموال من خلال المعاملات التي تنفّذ خارج الموازن، ويؤدي هذا الاختلاس إلى تقليل الموارد المتاحة للاستثمارات العامة وأوجه الإنفاق الأخرى ذات الأولوية، مما يوسع الفجوات في البنية التحتية ويؤثر على النمو، كما يتسبب انخفاض الإيرادات العامة في زيادة اعتماد البلدان في الغالب على التمويل من البنك المركزي، مما يسفر عن التحيز للتضخم في البلد المعني، كما يزيد من ضعف الإشراف المالي ويهز استقرار النظام المالي، وينشأ ذلك من انخفاض مستوى ممارسات الإقراض والتنظيم وضعف الرقابة على البنوك. ويمكن أن يصل تأثير الفساد إلى «رفع تكاليف الدخول إلى الأسواق المالية لأن المقرضين يأخذونه في الحسبان، ويفاقم الضرر على القطاع الخاص لأنه يعمق مشاعر عدم اليقين لدى الشركات ويقف حجر عثرة أمام دخول شركات جديدة وتُخصص الموارد للأنشطة الريعية بدلا من الإنتاجية». ويعتبر الفساد في بلداننا الخليجية وصمة سيئة ومُكلفة وجب التخلص منها. رغم تفاؤلي باستراتيجيات الاصلاح والتنمية، إلا أنه من المخيف حقاً أن تتخذ طرق الرشى والفساد كعرف وتقليد مهني في الإدارات الحكومية، فرغم اتباعنا بعضاً من برامج الحوكمة والشفافية إلا أن هناك أدوات معدومة، هي مفاتيح محاربة الفساد وأهمها «القضاء المستقل» المتخصص بمثل هذه التعاملات، وإن كان هناك قضاء ومحاكم مستقلة، فالأمر يتطلب «التطبيق» كما حثت على ذلك توصيات تقرير الصندوق. ولنتخذ مثالاً على أكبر قضية فساد ورشوة حصلت بالخليج وهي قضية (ألبا-ألكوا) التي كلفت البحرين قرابة ملياري دولار. إذ قامت شركة ألمنيوم البحرين «ألبا»، برفع دعوى ضد شركة «ألكوا» «Alcoa World Alumina» الامريكية، متهمة إياها بدفع رشى لموظفين كبار في الحكومة وفي الشركة ذاتها مقابل الموافقة على توقيع اتفاقية معها لاستيراد النفط الخام بأسعار مرتفعة، تلك العملية كلفت «ألبا» بل البحرين خسائر بلغت أكثر من ملياري دولار. المحزن أن البحرين لم تستطع رفع الدعوى في محاكمها المحلية ولا محاسبة المتسببين في الفساد، ما يدلل على وجود ثغرة في القضاء لابد من إصلاحها لنتابع مسيرتنا التنموية ونحن نسير فوق سلم البناء والاصلاح.