انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة في شهر رمضان المبارك والتي تعتبر صورة من صور الهدر الذي يعيشه مجتمعنا. تلك الظاهرة هي تزويد المساجد في صلاة التراويج بقواير الماء البلاستيكية، وتسابق أهل الخير والمحسنون لشراء كميات هائلة جدا من كراتين مياه الشرب المعبأة في قوارير بلاستيكية صغيرة، بينما كان الوضع في السابق هو وجود برادة ماء بالمسجد يشرب منها من كان في حاجة للماء. تأملت وأنا أرى هذا المنظر وهذه الروح الطيبة لدى المحسنين في سقيا الماء للمصلين واحتسابهم الأجر في ذلك ووجدت عدة أمور ستجعل أجرهم مضاعفا بإذن الله وأكثر نفعا: أولا: ثبت علميا بما لا يدع مجالا للشك وعبر العديد من مراكز البحوث العالمية خطورة شرب مياه القوارير البلاستيكة والتي تم تصنيعها من مواد (PET) البتروكيماوية والتي لا تصلح لإعادة تعبئة المياه فيها مرة أخرى، هذا فضلا عن التحللات والتفاعلات الكيميائية التي تتسرب للماء بسبب نقل هذه العبوات البلاستيكية في حر الشمس وبقائها فترة طويلة اثناء عمليات الشحن من المصانع إلى مستودعات المحلات ونقاط التوزيع وتخزينها في مستودعات غير مبردة، ويلاحظ ذلك في طعم الماء عند شربها، ولهذا السبب يصبح المتبرع الباحث عن الأجر بهذه الكراتين من الماء سببا في احتمالية إصابة من يسقيهم بأحد الأمراض الناتجه من التخزين السيئ. ثانيا: ما مصير هذه القوارير البلاستيكية بعد استخدامها؟ للأسف الشديد إن مصيرها هو الرمي بالشارع او في حاويات النفايات والتي تعبتر مصدر تلويث للبيئة حيث ان قارورة الماء البلاستيكية تحتاج لمدة زمنية لا تقل عن 35 سنة لكي تتحلل، وللأسف الشديد لا توجد بالمملكة حتى هذه اللحظة اجراءات صارمة لفرز النفايات وإعادة تدويرها، ويكفي ان نعلم انه في موسم الحج فقط يرمي الحجاج 70 مليون قارورة بلاستيكية والتي تشكل تحديا كبيرا لأمانة العاصمة المقدسة. ثالثا: من الذي يشرب من هذه القوارير البلاستيكية؟ للأسف إن الذي يشرب منها هو جار المسجد الذي خرج من بيته وقد شرب حتى ارتوى، وسيعود إلى بيته بعد ساعة ويشرب من بيته لو عطش، بل إن هناك من يشرب من القارورة ويترك نصفها ولا يشرب منها أحد غيره، هذا فضلا عن عبث الأطفال بها واسرافهم في شرب الماء فقط لأنه في قارورة بلاستيكية، بينما لو قام إمام كل جامع في رمضان بالإعلان لجماعة المسجد عن مشروع سقيا الماء وذلك بحفر بئر في منطقة نائية او صحراوية داخل المملكة أو خارجها بالتنسيق مع الجمعيات والجهات الخيرية الرسمية لكان أجره أفضل وأكبر وأشمل وأدوم، ويصبح المتبرع بكراتين الماء للمسجد شريكا في بئر يروي قرية بأكملها ويكون صدقة جارية ويسقي من يقطعون الوديان والشعاب لجلب الماء لقريتهم وتشرب منه دوابهم ومزارعهم. رابعا: طرحت هذا الموضوع للنقاش في ديوانية الحي الأسبوعية، وأفادني إمام جامعنا حفظه الله، بأن هناك حرجا شرعيا على من يشرب من هذا الماء وهو ليس من أهل الصدقة لأن المتبرع الذي أحضر هذه القوارير قد يكون أحضرها بقصد الصدقة ولم يحضرها بنية أنها هدية للمصلين. خامسا: تشير الإحصائيات أن عدد المساجد والجوامع بالمملكة تجاوز 94000 مسجد وجامع، وخلال شهر رمضان المبارك تتوق النفوس لبذل الخير والجود والصدقة، فهل ممكن أن تتبنى وزارة الشؤون الإسلامية بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية إطلاق مبادرات تنموية وطنية محلية وإقليمية تبني الإنسان وتنمي المكان وتقلل من الهدر في الإنفاق في مجالات كمالية وتوجهها لمجالات أكثر أجراً وأعم نفعا. سادسا: ليس الفقيه الحصيف هو من يعرف ابواب الاجر والخير لكنه من يفقه الافضل والاولى، فعلى سبيل المثال في شريعتنا هناك فرق وتمييز بين الفقير والمسكين وكلاهما محتاج لكن الفقير أشد حاجة من المسكين، إنها دعوة الى الفقه في الصدقه وترتيب الأولويات في مجالات بذل الخير وان نختار الأكثر حاجة والأكثر أجرا. ختاما: ليكن شعارنا في رمضان: اشرب في بيتك.. واسق المتعطشين الحقيقيين للماء، ورفقا بالقوارير.