لايزال «أبو طبيلة» وأهازيجه الدينية والشعبية التي يطلقها قبيل أذان الفجر بساعة، تعطر أجواء الأحساء في هذا الشهر الفضيل، بينما يشكل حلقة وصل بين الماضي والحاضر في أجيال متعاقبة تحافظ على تراثها الأصيل الذي يعتبر جزءاً من هوية الواحة. وتُعد هذه المهنة احد وجوه التراث القديم التي تمثل مظهراً صامدا من مظاهر شهر رمضان المبارك في بلدات الواحة والأحياء الشعبية في مدنها، فهي تضفي على ليالي الشهر الكريم طابعا خاصا على الرغم من التطورات الاجتماعية وانشغال الناس بالأنماط الرمضانية الجديدة. في حين لم تتمكن التكنولوجيا الحديثة من القضاء على مهنة «المسحر» إلا أن مهمته اختلفت في يومنا هذا، فهي ليست لإيقاظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور كما في الماضي، بل بهدف الحفاظ على شخصية «أبوطبيلة» الذي كان في زمن الأجداد يجوب شوارع القرية ويلفه الظلام الدامس متنقلا بين البيوت والنخيل، وبصوت الطبل الذي يبدد الخوف متزامنا مع ترديد الأهازيج، والابتهالات الدينية الخاصة برمضان، إضافة إلى بعض الأدعية، حيث يحفظ المسحراتي الكثير من الجمل والفقرات الإنشادية التي يستخدمها أثناء طوافه على المنازل في رحلته الرمضانية الليلية بشكل يومي دون ملل أو كلل، وبصوته الجهوري يضفي عليه وقت السحر عذوبة وصفاء، ليصل إلى أسماع أهالي الأحساء مرددا «لا إله إلا الله محمد رسول الله» و«اصح يا نايم وحّد الدايم»، ويرافقه ابنه أو قريب له يأمل أن يتوارث هذه المهنة منه، أو يساعده أثناء تعبه أو مرضه. المسحراتي علي الشايب «أبو شملة» منذ 15 عاما وهو يجوب شوارع وأحياء مدينة العمران، بعد أن ورث هذه المهنة من والده، منوها بأنه يجوب الشوارع يوميا ليدخل الفرح على الصائمين ويذكرهم بالزمن الماضي، مشيرا إلى أنه يزاول هذه المهمة لحبه لها وللحفاظ على هذه الصورة التراثية في شهر رمضان المبارك، مبينا أنه يبدأ جولته عند الساعة الواحدة ليلا وتستمر لمدة ساعة ونصف يتنقل فيها من حي إلى حي مشيا على الأقدام برفقة الأطفال يرددون معه الأهازيج المعروفة التي يختارها بعناية، موضحا بأنه يقوم بتغيير تلك الأهازيج في الليالي الأخيرة من الشهر المبارك، ويستبدلها بأهازيج الوداع فهو يقول «الوداع.. يا الوداع.. يا شهر الصيام.. يا شهر رمضان» مصمما على أنه بإذن الله سيستمر على احياء هذه العادة القديمة الجميلة بشكل تطوعي، حفاظا عليها من الاندثار، لافتا بأنه يحصل على بعض المبالغ المالية البسيطة بما يجود به الأهالي في ليلة القرقيعان ويوم العيد كعيدية. أما المواطن يوسف بوعبيد من سكان مدينة العمران، فقد أشار إلى أنه حين يسمع دقات الطبل تجعله يعيش في جو رمضاني حقيقي واستمتاع الأطفال بهذه الأجواء التي اصبحت من التراث، بعد أن كانت مهنة شعبية لها أهمية في سالف الأيام، ومدى تعلق الشباب والصائمين بهذه الشخصية التراثية الماضية الحاضرة في قلوبنا وأذهاننا، وبفضل من الله لا تزال الأجيال الجديدة تستمتع بهذه الأجواء التي اصبحت من التراث، بعد أن كانت مهنة شعبية لها أهمية في سالف الأيام، والتي يجب الحفاظ عليها من الاندثار، حيث ابو طبيلة مرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشعبية الرمضانية.