برنامج التحول الوطني يستهدف بالدرجة الأولى مواجهة التحديات الأكيدة والمحتملة التي سوف تواجه تنفيذ «رؤية المملكة 2030»، فلكل قطاع تحدياته الرئيسية والفرعية، وفي الأشهر الماضية كانت الوزارات مشغولة عبر ورش عمل جماعية وثنائية لفرز هذه التحديات وترتيبها حسب الأولوية، ومن ثم وضع الآليات التنفيذية لمواجهتها، أي إن التحديات لم تجمع من تجارب وتصورات خاصة. في المؤتمرين الصحفيين السابقين تحدث أصحاب المعالي الوزراء عن تحديات حقيقية قابلة للقياس، هم يعرفونها ونحن نعرفها ونعاني منها، والمهم أن كل واحد لديه خطة الطريق التي يرى ضرورة اتباعها للتغلب على تحديات قطاعه، وأعتقد أن روح التحفظ الموضوعي التي كانت سائدة في حديث الوزراء، أو حتى في الأرقام والأهداف المعلنة لبرنامج التحول، ضرورية حتى لا يرتفع سقف التوقعات، وحتى لا تكون هناك ثغرة تستغل للتأثير والتشكيك في الرؤية والبرنامج. ربما هذا الطرح الحذر المتحفظ ناتج عن تحليل المخاطر الذي سارت عليه آلية إعداد البرنامج، وربما هو استجابة أيضا للآراء والتصورات التي طرحها المختصون ورجال الدولة الذين خبروا عمل الحكومة في مراحل سابقة، وهذه من ثمار ورش العمل الموسعة، وأيضا ثمرة الاستماع لكل الآراء حول تنفيذ رؤية المملكة بعد إقرارها. في جانب الحذر، إذا نظرنا على سبيل المثال في عدد الوظائف المطلوب استحداثها يتوقع أن تسهم مبادرات برنامج التحول في إحداث 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية. أعتقد أن هذا الرقم متحفظ جدا، فالقطاع الخاص لديه فرص للتوظيف متاحة الآن ربما تتجاوز توقعاتنا. إذا انطلقنا بقوة في سَعوَدَة تجارة التجزئة، كما هو الحال في قطاع الاتصالات، سنجد فرصا كبيرة لتوليد الوظائف، ولدينا فرص في قطاعات مثل الطاقة والنقل والتشييد والبناء والصناعات العسكرية. أيضا الشراكة مع القطاع الخاص يتوقع البرنامج أن توفر 40 بالمائة من النفقات الحكومية. ربما نحقق أعلى من هذا الرقم إذا استطعنا تسهيل ترخيص المشاريع الخاصة، وأخرجناها من أغلال البيروقراطية والفساد اللذين عطلا إطلاق العديد من المشاريع الحيوية للقطاع الخاص في الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، مما أدى إلى هجرة رؤوس أموالنا بحثا عن الاستثمارات النوعية في الخارج. هذه الاستثمارات يمكن أن تقلل نفقات الحكومة وترفع مستوى الخدمة في مجالات عديدة. كذلك يتوقع البرنامج أن نتمكن من توطين أكثر من 270 مليار ريال في المحتوى المحلي. هذا المستهدَف أيضا متحفظ إذا أخذنا في الاعتبار حجم المشاريع الجارية والقادمة في القطاعات التي سوف يتجه لها الإنفاق الحكومي. ربما نتجاوز هذا الرقم إذا تم تفعيل عقود المشتريات الحكومية الحالية، وتطوير العقود القادمة لكي تأخذ في الاعتبار ضرورة توسع المحتوى المحلي، ولدينا تجربة شركة أرامكو، والتي تقدم نموذجا ناجحا في هذا السياق. وهذا ينسحب على القطاعات الوليدة مثل السياحة والتراث الوطني، أو التي تتوسع مثل النقل والخدمات البلدية وعقود التشغيل والصيانة وخدمات الأمن وصناعة المعرفة، مثل إنتاج البرمجيات، لدينا مجال خصب للوظائف والاستثمارات بكل أحجامها، فهذه مجالات ثرية بالفرص الوظيفية والاستثمارية، وهذا ما يستهدفه برنامج التحول. كما قلت أمس، يقدم برنامج التحول خطوة جريئة للتفكير الإيجابي في مواجهة التحديات، ونرى الآن أن روح الإيجابية مصحوبة بضرورات الحذر الموضوعي المبني على أدبيات تحليل المخاطر، إنها خلطة مبدعة تجمع النقيضين، الإيجابية في المبادرات حتى لا يسبقنا الزمن وتضيع منا الفرص التي بأيدينا، والحذر حتى نعرف أين نضع خطانا، فصناعة الألغام تتطور، مثل صناعات الأدوية والأغذية، إنها سنة التدافع في الحياة.