ليس من السهل استمالة الملياردير فاجيت الكبيروف قطب صناعة النفط في روسيا، أو الاستحواذ على إعجابه، لكن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح فعلها الأسبوع الماضي. فالدبلوماسية المكثفة التي بذلها الفالح صاحب النبرة الهادئة في أول اجتماع يحضره لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وخطابه الذي حفل بكلمات وعبارات مثل «الأسلوب الناعم» و«دون صدمات» و«الإجماع» كل ذلك أقنع الكبيروف أن أوبك مازالت تتمتع بالحيوية وليست جثة هامدة. قال الكبيروف الرئيس التنفيذي لشركة لوك أويل الروسية للطاقة عقب عقد لقاءين منفصلين مع الفالح ووزير النفط الايراني بيجن زنغنه في فيينا «إن مجرد اتفاق أوبك على إدارتها الجديدة يبين أنهم يريدون استعادة الدور التنسيقي. ستقوم المجموعة بإدارة السوق من جديد». ولم تتمكن أوبك يوم الخميس من الاتفاق على تحديد مستوى واضح مستهدف لإنتاج النفط إذ رفضت ايران الحد من إنتاجها. لكن الاجتماع كان هادئا نسبيا وخلا من الاشتباكات المعتادة بين الخصمين السياسيين السعودية وايران ووعد فيه الفالح بعدم إغراق السوق بالنفط والاستماع لطهران. وفي حل وسط نادرا ما يتم بسهولة، قررت أوبك بالإجماع تعيين النيجيري محمد باركيندو أمينا عاما جديدا لها بعد سنوات من الخلافات حول هذا الموضوع. واستقرت أسعار النفط عند 50 دولارا للبرميل يوم الجمعة مرتفعة بنسبة 80 في المئة عن المستويات الدنيا التي سجلتها في يناير كانون الثاني. وكان الفالح الذي خلف سلفه المخضرم علي النعيمي في ابريل نيسان أول وزير من الدول الأعضاء في أوبك يصل إلى فيينا. وقد التقى بمعظم زملائه من الوزراء على هامش الاجتماع وقضى عدة ساعات مع محللي أوبك المستقلين، كما عقد مؤتمرا صحفيا مطولا مع الصحفيين. وقال الفالح يوم الخميس «إذا كنتم تريدون أن تسموها (أوبك) منتدى للحديث فلا مشكلة لدي في ذلك. لكني أعتقد أنها ستفعل أكثر بكثير من مجرد الكلام. فنحن بصدد التنسيق والتعاون... لتحقيق أهداف السوق». فاجأت طبيعة الاجتماع الذي عقد يوم الخميس الكثيرين من مراقبي أوبك الذين اعتادوا على لقاءات تتبادل فيها الأطراف الاتهامات. وقال مصدر مطلع على ما يدور في دوائر رسم السياسات في السعودية «بعد الدوحة بدأت أسواق النفط تبدو وكأنها سيارة بلا قائد». وقال مصدر غير خليجي في أوبك إن الرياض تدرك أنها بحاجة لوحدة أوبك لأن الحرب التي تخوضها المنظمة من أجل حصتها من السوق على المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة مثل منتجي النفط الصخري في الولاياتالمتحدة استغرقت وقتا أطول مما كان متوقعا عندما تم التخطيط لها في عام 2014. وقال جاري روس مؤسس بيرا للاستشارات في الولاياتالمتحدة الذي جاء إلى فيينا مع مراقبي أوبك ومحلليها لحضور الاجتماعات إنه بعد ما حدث في الدوحة «أدرك السعوديون أنهم لا يريدون تبديد عشرات السنين من تاريخ أوبك وقرروا أن يكونوا أكثر تعاونا». وقالت أمريتا سن التي جاءت إلى فيينا أيضا «من المؤكد أن السعوديين قرروا تغيير الأسلوب بعد الدوحة لأنهم خشوا أن يكون الناس قد بدأوا يتشككون في حيوية أوبك. وأعتقد أن هذا النهج الأكثر نعومة سيستمر». فقد قال يوم الخميس «الأسواق يمكنها أن توازن نفسها في النهاية لكن وكما شهدنا عندما نعتمد على الأسواق وحدها يكون الأمر في غاية الإيلام للجميع». وأضاف «أعتقد أن الإدارة بالأسلوب التقليدي الذي جربناه في الماضي قد لا تحدث مرة أخرى... لن نقر تحديد سعر مستهدف لنفط أوبك... وإنما تنسيق الاستراتيجيات ومحاولة فهم ما يمكن لكل منا أن يفعله أو ما لا يمكن أن يفعله». وقال الفالح في مقابلة مع مؤسسة أرجوس ميديا إن أوبك لا تزال تلعب دورا في إدارة أسواق النفط مثل الاستجابة لأي اضطرابات قصيرة المدى في الإمدادات. وأكد الفالح قبيل اجتماع أوبك الخميس «قد تكون هناك مواقف قصيرة المدى من وجهة نظرنا يمكن أن تتدخل فيها أوبك لكن هناك مواقف أخرى -مثل النمو على المدى الطويل لانتاج الحقول غير الأساسية- لا ينبغي لأوبك التدخل فيها». وأضاف الفالح أيضا ان السوق تحتاج إلى البحث طوال الوقت عن سعر توازن يسمح بالاستثمار الملائم في الإنتاج الجديد وتلبية نمو الطلب. وقال الفالح «ونحن في أوبك بحاجة إلى المرونة الكافية لإيجاده (سعر التوازن) ولتوجيه السوق نحوه بدلا من تحديده سلفا». وأعربت السعودية عن ثقتها بأن اسعار النفط ستواصل انتعاشها، ما يعزز التوقعات بأن منظمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» المنقسمة ستقرر مواصلة انتاجها من النفط كالمعتاد في اجتماعها الذي تعقده في فيينا. قد اكد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قبل اجتماع الاوبك ان المنظمة «راضية جدا» عن سوق النفط، مشيرا إلى أن «عودة التوازن» الحالي إلى السوق يساعد على دفع اسعار النفط الى الارتفاع. وصرح الفالح للصحافيين «الجميع راضون عن السوق الذي بدأ في استعادة توازنه الآن. والطلب صحي وقوي تماما، وامدادات الدول غير الاعضاء في اوبك تنخفض. وستستجيب الاسعار لعودة التوازن الى السوق». وتقليديا كانت المنظمة تلجأ الى خفض الانتاج لدفع الاسعار الى الارتفاع. الا انه ورغم انخفاض الاسعار الى اقل من النصف لتصل الى 25 دولارا للبرميل في كانون الثاني/يناير مقارنة مع اكثر من 100 دولار في 2014، اختارت اوبك بقيادة السعودية الا تخفض الانتاج.