اتفق مشايخ ومختصون على أن غالبية المساجد في المملكة، تحتاج إلى إعادة صياغة، تعيد المسجد إلى سيرته الأولى، في أن يكون مكانا للمسلمين، مشيرين إلى وجود إهمال واضح يطال تلك المساجد بدءاً من اختيار المواقع، ونظام الإنشاء والتصميم الهندسي، وآلية الاعتناء بالمسجد وتوفير الخدمات التي يحتاج لها. وفيما ربط البعض بين التصميم الهندسي، وبين السلوك المتبع داخل المسجد، دعا البعض الى ضرورة توعية المصلين بأهمية احترام المسجد والاهتمام به أكثر من ذي قبل، وطالب فريق آخر بوجود آلية تختص باختيار موقع المسجد واختيار التصميم الهندسي له، وتأمين الجهات التي تقوم على رعايته وصيانته. وخلص هذا التحقيق إلى عدة توصيات، دعت إلى تكثيف حملات لتهذيب تعامل المصلين في المسجد، والتعامل معه باعتباره دار عبادة، له قدسيته ومكانته في حياة المسلمين، وليس سوقا تجاريا. المظهر والسلوك يقول خطيب جامع الأنصار الشيخ سامي المبارك: ينبغي تنظيم حملة خاصة بالعمالة البسيطة وخاصة الحراس وعمال المطاعم وعمال النظافة لتنبيههم بلغاتهم إلى السلوك والمظهر والآداب المطلوبة قبل الدخول إلى المساجد، كذلك يمكن أن تنظم حملة عامة يستفيد منها ويشارك فيها كل سكان الحي تركز على أهمية الحفاظ على نظافة مرافق المسجد مؤكداً ان سلوك وأخلاقيات المسلم التي يجب التحلي بها في سائر الأوقات عامة، وعند المسجد خاصة باعتباره مكانا للعبادة الا اننا نجد هناك الكثير من الفوضى التي سببها الناس انفسهم حيث نلاحظ ان عدم الوعي وسلوك الطيش واللامبالاة باتت ظاهرة لدى البعض، فعلى الرغم من أن الحمامات جهزت وصممت بشكل يخدم المتوضئين إلا أن روادها – أو بعضهم - يحولونها بسلوكهم إلى مواقع لا تليق ولا تناسب من يتحضر لأعظم شعيرة في ديننا. وأضاف المبارك: أشكال الأوساخ ومستنقعات المياه والأبواب المكسرة والروائح الكريهة لا تهيئ المصلي للطمأنينة التي لا تتم صلاة حقيقية بدونها، بل ان الامر يتعدى ذلك فمنهم من يتعمد التخريب والتكسير بشكل متعمد ومنظم وهذا أمر مؤلم، ويجب ان تتم محاسبة هؤلاء، وكل ذلك من سلوك المستخدمين لهذه المواضئ، فلو حرص كل مستخدم على نظافتها ولم يرم المخلفات فيها لما احتاجت أصلا إلى صيانة إلا ما كان من مقتضيات الضرورة، وفي ظل تلك المعطيات نقول انه ينبغي ان يكون هناك عمليات وقائية وتوعية مستمرة تهدف الى تعزيز السلوك الايجابي عند مرتادي المسجد، ودعا الى ضرورة التوسع في تنظيم مسابقات دورية تمنح، بموجبها جوائز لأفضل المساجد التي يعتني أهل أحيائها بها ويظهرونها بالمظهر اللائق، تقوم به الجهات الرسمية وسكان كل حي وهو من جوهر التعاون على البر والتقوى. العلم الشرعي وفيما يتعلق بهندسة تصميم المساجد في الوضع الراهن، ومدى تعزيزها السلوك الايجابي عند المصلين، يرى الشيخ مشبب العاصمي أن الذي يشاهد تصاميم أغلب المساجد في بلادنا يُدرك أن تصميمها لم يُبن على خبرة فنية، ولا علم بالنفس والسلوك الانساني، إضافة إلى نقص العلم الشرعي، لدى بعض المصممين، بل قد يُوكَل التصميم إلى غير المسلمين، فأكثر المساجد تُصمم بناء على رغبة المتبرع أو المكتب الهندسي، وهؤلاء في الغالب ليس لديهم خبرة في الجانب النفسي للإنسان، وهمهم الوحيد هو بناء مسجد يُصلي فيه الناس، وبالتالي تُبنى المساجد على الحالة الراهنة التي نُشاهدها، إلى درجة أنك أحيانا تتمنى متى تنتهي الصلاة، سواء بسبب الحرارة أو البرودة أو شدة صوت الامام، أو ازدحام الصفوف أو غير ذلك. ويشير العاصمي الى أن دورات المياه ومداخل المسجد في وضع يُرثى له، وبما أن المسجد بيت الله تعالى، ومهوى الأرواح المؤمنة، ومكان تجمع المؤمنين سواء ملائكة أو مصلين، ويُنتظر أن يكون سببا في راحة الأنفس بعد انتهاء الصلاة، لذا ينبغي أن يُسند تصميم المساجد الى لجان تشمل ضمن أعضائها متخصصين في الناحية الهندسية المعمارية، والناحية الشرعية، والناحية، النفسية والاجتماعية، إضافة الى متخصص في هندسة الديكور، لأن الهدف من دخول المسجد هو تغيير الحالة النفسية التي تؤدي إلى تغيِير السلوك. انسجام المصلين ويوضح الشيخ ناصر بن صالح المزيني، ان هندسة وتصميم المسجد يعززان السلوك الايجابي عند المصلين، وهما ليسا بالشيء الذي يبالغ فيه وإنما يعين على انسجام المصلين والراحة عند أداء العبادة، لكن المبالغة في الزخرفة تنقل المصلي من روح العبادة ولذتها إلى عالم آخر، كما ان زخرفة المساجد مخالفة شرعية وهي من علامات الساعة، فقد روى الإمام أحمد عن أنس «رضي الله عنه» أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد»، وقال البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد: (قال أنس: يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً) فالتباهي بها: العناية بزخرفتها. قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى). وقد جاء وعيد شديد على هذه الزخرفة، وهو فيما رواه الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «إذا زوقتكم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم» قال الألباني في صحيح الجامع: إسناده حسن. وحول فوضى استخدام دورات المياه ووجود روائح..كيف يمكن معالجتها وتوفير خدمات عالية الجودة بها؟ يجيب الشيخ المزيني: دورات المياه هي في الاصل معدة للمصلين الذين يتوجهون للمساجد ويحتاجون الوضوء لذا كان قرار وزارة الشؤون الاسلامية بوجوب إغلاقها فور الانتهاء من الصلاة قرارا حكيما لان بقاءها مفتوحة يعين على لعب الاطفال والمراهقين فيها واتلاف محتوياتها ومنها تنبعث تلك الروائح الكريهة. وعن أن اغفال عمليات الترشيد في استهلاك الماء والكهرباء ساهم في استمرار عملية الهدر، أوضح انه يوجد هدر لهذه الثروات من قبل المصلين وذلك نابع من قلة الوعي فكان لزاما على قيم المسجد ترشيد المصلين إما عبر خطبة الجمعة او بالدروس اليومية للمصلين وبيان أن هذه الممتلكات العامة ملك للجميع وإرشادهم. وأضاف اعتقد انه بإمكان المهندس المعماري عند القيام برسم خارطة للمسجد أن يحكم وضع دورات المياه في مكان يكون داخل سور المسجد ويكون الدخول إليه من داخل المسجد للحد من عبث العابثين وأيضا يسهل إغلاقه بعد الانتهاء من الصلاة، أما وضع الاحذية فأعتقد أن مكانها المعتاد عند الابواب لائق ولكن الناس بحاجة إلى زيادة توعية أن توضع الأحذية بأماكنها وليس في الممرات، مبينا أن من ابرز الاخطاء سابقا كثرة النوافذ لاسيما باتجاه القبلة وكذلك عدم العناية بمواقع الابواب لاسيما في الجوامع. فوضى التعامل ويقول الدكتور فهد النمري، أكاديمي بجامعة الدمام، إنه لتنفيذ أي مشروع يجب أولا اختيار الموقع المناسب لإنشائه وذلك وفق معايير وأسباب وضوابط تتعلق بطبيعة المشروع ووظيفته وبالظروف التي ترافق إنشاءه وهذا الأمر يعتبر من بدهيات وأبجديات العمل المعمارى، أما المسجد فالأمر فيه أوكد لأن المساجد بيوت الله وفيها يتعلم المسلمون العلم والإيمان ويتربون على الفضائل والأخلاق ولهذا جاءت النصوص الشرعية تحث على بناء المساجد وعمارتها قال تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) وعمارة المساجد تشمل العمارة الحسية ببنائها وتنظيفها وإصلاح ما احتاج إلى إصلاح منها، وأحب أن أنبه هنا إلى الحذر من المبالغة في تزيين المساجد وزخرفتها فقد جاء النهي عن ذلك، ففي صحيح البخاري أن عمر لما أمر ببناء المسجد قال (أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس) قال أنس يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا وقال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وتشمل أيضا العمارة المعنوية بالصلاة فيها والاعتكاف وغير ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من بنى لله بيتا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين مكانة ومنزلة عمارة المساجد. ذوو الاحتياجات بالنسبة للهندسة المعمارية للمسجد وأثرها على سلوك المصلين وما ينبغي مراعاته عند تصميم المسجد، يقول المهندس عثمان الملحم: أن يكون المسجد ملائما لذوي الاحتياجات الخاصة، وأن يكون صديقا للبيئة، وأن يكون ضمن ما يسمى بالمساجد الذكية والتي يراعى فيها توفير الطاقة، مبينا ان الجهود الحالية تنطلق لتفعيل مبادرات خفض التكاليف سواء أثناء فترة البناء أو بعد التشغيل، وهذا يشمل الاستفادة القصوى من الإضاءة الخارجية واختيار العوازل الضرورية لخفض معدل تشغيل وحدات التكييف وتوزيع فتحات التكييف للحد من فقد الهواء البارد، هذا ما يسمى بالهندسة القيمية value engineering والتي يتم مراجعتها أثناء مرحلة التصميم. وأضاف الملحم «يمكن للهندسة المعمارية ان تساهم في تعزيز السلوك الايجابي من خلال مراجعة التصاميم قبل الشروع في مرحلة البناء لرفع مستوى الوعي لرواد المسجد والحد من سوء الاستعمال لمرافق المسجد». ويستطرد: ابرز الاخطاء الموجودة في تصميم المساجد سابقا هي عدم الاهتمام بخفض التكاليف أثناء مرحلة التصميم، المبالغة في الإضاءة والتكييف، إهمال اختيار المواد لملحقات المسجد مثل دورات المياه والصوتيات، إهمال العوازل المائية والحرارية. معايير قديمة المهندس حامد بن حمري يمارس تشريحا هندسيا لتصميم المسجد المثالي قائلا: لنبدأ من مكان تصميم المسجد فكثير من المساجد لدينا لا تأخذ حقها من حيث التصميم المعماري الجيد سواء كان من ناحية جمالية أو تقنية وأشار الى أن البعض يبالغ في القبب والساحات الخارجية دون مراعاة الى ان الحي لا يحتمل وجود تلك المساحات وهذا يعد خللاً. ويضيف ابن حمري: في الوقت نفسه ليس من المطلوب أن تعمل مساجد بزخرفة مكلفة، إن الكثير من المساجد يوجد بها دفع مبالغ طائلة دون الحاجة، حيث إنه يمكن توفير تلك المبالغ وتخصيصها لأمور أخرى تخدم مرافق المسجد وأكد أن الصحيح هو توجيه تلك المبالغ الى تطوير أداء المسجد من خلال الاستفادة الفعلية وبين ان هناك من يبني مسجدا يتسع لعدد الفي مصل بينما نجد الحاجة الفعلية هي لا تتجاوز الف مصل يوم الجمعة وفي بقية الايام نجد ان المسجد لا يتجاوز صفا واحدا وهذا فيه هدر للمال والطاقة، وبين أنه يمكن تقسيم المسجد من الداخل بتصميم مناسب لا يخل بمنظر المسجد من الداخل بحيث يتم فتح تلك الاقسام للصلاة يوم الجمعة. وحول التصاميم الحالية للمساجد، يوضح انه يتم استخدام معايير قديمة لا تتوافق مع الخدمات المطلوب تقديمها فنجد دورات المياه ضمن المكان المخصص للمواضئ رديئة التهوية وتنظيم مداخل النساء يوجد بها افتقار للخبرة والحنكة في التصميم وغياب المعايير الهندسية من قبل وزارة الشؤون الإسلامية التي تتوافق مع الحاجة الفعلية لمرتادي المسجد من المصلين مشيراً الى اهمية المعايير في اعمال الصيانة والتشغيل للمساجد واضاف نجد مساجد مهملة كونها تبنى من قبل قطاع خاص أو أفراد ونجد مساجد بنيت تحت إشراف وزارة الشؤون الاسلامية الا انها سيئة نتيجة الفساد في الجهة المسؤولة عن المراقبة والتشغيل، وهنا يجب وضع معايير دقيقة بشأن التشغيل والصيانة بهدف رفع أداء الخدمات المقدمة للمصلين مؤكدا أن تلك المعايير جميعا تساهم في تعزيز القيم الايجابية للمصلين فبلا شك فان المصلي عندما يجد خدمات النظافة متوافرة ويوجد مكان مخصص للأحذية والتهوية في المرافق والمسجد مناسبة فإنه سيحرص على الاستخدام الامثل الذي يمثل أخلاقيات المسلم. عمارة المساجد في خطوة لتعزيز دور عمارة المساجد بالمنطقة الشرقية تأسست جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد، وذلك للإسهام في تطوير فن عمارة بيوت الله من خلال رفع الوعي بأهمية الدور المعماري والشكل الجمالي للمساجد وتأثيرها في القيم الروحانية للمسلمين بشكل عملي يتفاعل مع البيئة، كما تهدف الجائزة إلى تقدير ودعم فن عمارة المساجد الراقي والمعاصر حول العالم، والتعريف بالنماذج المتميزة لتصميم المساجد ودعم مسيرة الإبداع الهندسي في تشييدها. وتسعى الجائزة للارتقاء بعمارة وعمران المسجد في بنية المدينة المعاصرة الإنسانية والمادية، والارتقاء بالدور التقليدي للمسجد الذي سُجِل عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، كما أن أهدافها السامية تشمل تطوير وتعزيز الوعي بأهمية الدور المعماري والشكل الجمالي لبيوت الله في إطار عملي يتفاعل مع البيئة المحيطة ويحقق التوازن التكاملي بين جمالية وروحانية المسجد وعوامل البيئة العملية المحيطة به، وتقوم الجائزة بعدد من النشاطات التي تهدف إلى نشر المعلومات عن هذه النماذج والاحتفاء بها. وتهدف الجائزة إلى تعزيز الثقافة المعمارية والعمرانية التي تحترم وتحيي الدور التاريخي المهم الذي طالما أدّاه المسجد في بنية المدينة الإسلامية الاجتماعية، وتلبي المتطلبات التي أحكمتها الظروف والمتغيرات المعاصرة التي تحيط بها، إضافة إلى إبراز الاستخدامات المبدعة للفراغات والكتل والمفردات المعمارية والعمرانية للمساجد بشكل يبرز ويتوافق مع الشخصية والطابع التراثي الخاص للموقع ومحيطه البيئي والمحلي والحضاري. سيارات مهملة في محيط المساجد دورات المياه أصبحت مصدر إزعاج لحرمة المكان