أصبحت الحالة المتردية للبنية التحتية في بلجيكا، التي تضم المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي، رمزًا لنقص الاستثمارات الذي رُزِئت به القارة بأكملها، والتي وفقًا للاتحاد الأوروبي نفسه، تخلق «معوقات دائمة تعمل على تقويض نمو الإنتاجية»، هذه المشكلة يمكن حلها، ولكن ربما مع إصلاح القيود المدمرة في الاتحاد حول العجز الحكومي ومستويات الدين. السبب في تدهور البنية التحتية واضح. على حد تعبير المفوضية الأوروبية: «الاستثمار العام منخفض من الناحية الهيكلية منذ عدة عقود، نتيجة لخيارات السياسة ضمن سياق تدعيم النظام المالي لفترة طويلة. وصل الاستثمار إلى 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2008 و2015، بزيادة طفيفة عن متوسط ما قبل الأزمة البالغ 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتنعكس هذه الانخفاضات المستمرة في الموازنات الاستثمارية في الاستثمار العام الصافي» (أي المخزون الرأسمالي بعد احتساب الاستخدام والتآكل)، التي بلغ متوسطها صفرا منذ تسعينيات القرن الماضي، ما عمِل على تآكل نوعية البنية التحتية العامة. أي شخص يذهب حتى في رحلة قصيرة إلى بروكسل يرى دليلا على ذلك. نظرا لعدم وجود صيانة على مدى السنوات العشرين الماضية، أُغلِقت جميع الأنفاق الرئيسية في المدينة لأسباب تتعلق بالسلامة العامة، ما خلق أكبر اختناقات مرورية شهدتها المدينة على الإطلاق. والذين يسافرون من بروكسل إلى لوكسمبورج، حيث يقع بنك الاستثمار الأوروبي والمؤسسات الأوروبية الأخرى، لن يجد هناك أي قطار سريع. تم إهمال الطريق السريع بالمثل، مع وجود الحفر الواسعة في كثير من الأحيان والتي لا تترك سوى ممر واحد تتشارك فيه الشاحنات والسيارات. ووفقا لصحيفة بلجيكا الرائدة، لو سوار، فإن كل كيلومتر من أصل 4 كيلومترات من قضبان السكك الحديدية، ومحطة فرعية كهربائية من أصل خمس محطات، ونصف جميع معابر السكك الحديدية، تحتاج إلى استبدال. من المهم أن نفهم جيدا الآثار الضارة الموجودة لدى ما تسمى قواعد ماستريخت للميزانيات في الاتحاد الأوروبي. المعايير تتبع نهجا محاسبيا شاملا على الإنفاق الحكومي. الميزانيات، كما تقول قواعد ماستريخت، يجب أن تكون متوازنة أو على الأقل ألا يتجاوز الاختلال نقطة معينة (3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعجز الميزانية و60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدين العام). هذا المبدأ، الذي يهدف إلى منع تصاعد الديون، ليس سيئا. ولكنه عزز المَيل المتأصل في السياسة لخفض الاستثمارات بدلا من النفقات. قرارات إصلاح الجسور لا تفوز بتلك الأنواع من الأصوات التي تكسبها بفعل معونات الضمان الاجتماعي، حتى لو كانت شرطا أساسيا لتحقيق النمو على المدى الطويل. خطأ معايير ماستريخت الفادح هو أن جميع النفقات تعامل على قدم المساواة. ونتيجة لذلك فإن كثيرا من الحكومات الأوروبية، مثل حكومة بلجيكا، تقلل الاستثمارات الجديدة وتخفف من عمليات الصيانة. أحد الاستثناءات الذي يثبت القاعدة هو فرنسا، حيث الطرق تعتبر رائعة، ولكن ارتفع الدين العام إلى أكثر من 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (وهو ما يعني أساسا أن المفوضية الأوروبية تتظاهر بأنها لا ترى أن فرنسا تخالف قواعد ماستريخت). هذه ليست ظاهرة أوروبية فريدة، بطبيعة الحال. فوفقا لصندوق النقد الدولي، انخفض الاستثمار العام في الاقتصادات المتقدمة إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في ستينيات القرن الماضي. وبصورة ليست مستغربة، انخفض مخزون الاستثمار العام بشكل مطرد، والنمو توقف إلى حد كبير في نهاية المطاف. ما هو فريد من نوعه في أوروبا هو أن القواعد التي تتجاوز حدود البلدان تشجع بدلا من أن تثبط ضمنيا هذا السلوك. بدأت الحكومة البلجيكية برنامجا لدعم البنية التحتية للبلاد، تتم قيادته إلى حد كبير من قبل وزير المالية في البلاد. وقد تمت أخيرا الموافقة على خطة جديدة لإصلاح الأنفاق على مدى السنوات ال15 المقبلة. وحتى المفوضية الأوروبية تبدأ بالاعتراف بالمشكلة وتقوم بتعديل مطالبتها لخفض الانفاق: «حماية الاستثمار العام الإنتاجي من جهود الاستحكام من شأنه أن يتفادى تأثيرا سلبيا على النمو الاقتصادي في المستقبل»، هذه هي خطوات أولى جيدة، ولكن هناك حاجة إلى خطوات أكثر جرأة. ينبغي مراجعة معاهدة ماستريخت لكي تشتمل على «قاعدة ذهبية» للإنفاق الاستثماري. المقصود بذلك أن الاستثمار في مشاريع طويلة الأجل ينبغي ألا يؤخذ بعين الاعتبار في حسابات العجز. وسيتعين على بنك الاستثمار الأوروبي والمفوضية الأوروبية القيام بدور جهاز الرقابة من أجل ضمان أن هذه الفسحة المالية لا يساء استخدامها. تغيير المعاهدة قد يكون صعبًا من الناحية السياسية. لأنه سوف يتطلب أغلبية مؤهّلة من الدول، ويمكن أن يؤدي إلى إجراء استفتاء. والأهم من ذلك، أنه قد يشكل تغييرا جذريا في نهج الإنفاق العام في أوروبا. وهذا أمر ضروري تماما، ولكنه ينطوي على مخاطرة كبيرة. ذات مرة قال الاقتصادي جون مينارد كينز: «لا تكمن الصعوبة في تطوير أفكار جديدة بقدر ما تكمن في الهروب من الأفكار القديمة».