في هذه الأيام من كل عام تظهر على السطح مشكلة الجامعات والمعاهد السعودية في استيعاب الخريجين من الثانوية العامة وخاصة في التخصصات العلمية من طب وهندسة وعمارة وغيرها. الجامعات والمعاهد تضع العراقيل أمام الراغبين في الدخول في تلك التخصصات بحجة قلة المقاعد المتاحة. هذه المشكلة ليست وليدة اليوم فأبناء وبنات البلد يعانون منها منذ عشرات السنين، وعلى الرغم من تعاقب الوزراء على التعليم، لم يتمكن أي منهم من إيجاد حل لهذه المعضلة التي جعلتنا نتكبد خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة وأعاقت التنمية وتسببت في هدر مئات المليارات من مال الوطن سربه العاملون الأجانب خارج البلاد. إن من يلاحظ تشدق بعض رجال الأعمال مؤخرا عن الشباب السعودي ونعتهم لهم بصفات تنم عن الفوقية والجهل، يدرك أن هؤلاء لا يعلمون عن مئات الآلاف من الطلبة والطالبات الذين يتخرجون كل عام وكلهم أمل بالحصول على قبول لدراسة تخصص طالما حلموا به، إلا أن تلك الأحلام ما تلبث أن تصطدم بالواقع المرير، فيتم رفض الغالبية العظمى منهم وتحويلهم إلى تخصصات نظرية لا توافق رغباتهم ولا تحقق طموحاتهم. الكثير من هؤلاء الطلبة يستسلمون للأمر الواقع ويكملون دراستهم في تخصصات قد كثر أصحابها في البلد، وبعد تخرجهم يتفاجأون بألا أحد يريد أن يمنحهم فرصة العمل، وإذا طالبوا بعمل يوفر لهم الرزق والأمان وإمكانية التطور بدلا من الأعمال الصغرى التي يعرضها التجار عليهم، ثارت حفيظة هؤلاء التجار وبدأوا بالتهكم عليهم والإيحاء لهم بأنهم عالة على المجتمع بينما العكس هو الصحيح تماما، فبعض تجارنا عالة علينا، يحصل الواحد منهم على قروض ودعم من الدولة ما لا يحصل عليه عشرات الآلاف من الطلبة مجتمعين. كل من بنى بيتا أو دخل مستشفى أو زار مصنعا أو تسوق من صيدلية، سوف يرى بعينه أن هناك خللا واضحا في مجتمعنا، حيث يعتمد على مئات الآلاف من المهندسين والصيادلة والفنيين القادمين من بلاد أقل تطورا وأقل إمكانات من بلدنا، بينما توصد أبواب الجامعات والمعاهد أمام ابنائنا وبناتنا الراغبين في أن يسدوا هذا الخلل مستقبلا. يشكل المهندسون السعوديون قرابة 10% فقط من عدد المهندسين العاملين في المملكة والذين يتجاوز عددهم 230 الفا. على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على التعليم الجامعي لدينا، إلا أننا لم ننجح في سد ولو ربع حاجتنا من التخصصات العلمية، وما زالت جامعاتنا لا تخرج إلا النزر اليسير من المهندسين، فأكبر جامعة لدينا (جامعة الملك سعود) لا تخرج اكثر من بضع مئات من المهندسين كل عام، ولا يتجاوز عدد السعوديين الذين يتخرجون بكافة التخصصات الهندسية 2000 مهندس. هذا العدد يكاد لا يذكر إذا قارناه بأعداد المهندسين الذين تخرجوا من جامعات روسيا وأمريكا في عام 2015. على الرغم من هذا النقص الحاد في المهندسين لدينا اسوة بجيراننا في المنطقة، إلا أن جامعاتنا مازالت توصد أبوابها أمام بناتنا الطالبات وكأن تعليم الهندسة يجب أن يكون مقصورا على الذكور دون الإناث، فعطلوا بذلك نصف ما نستطيع إيجاده من المهندسين، ليس للحاق بركب الدول المتقدمة، بل بالدول النامية مثلنا. إن الوضع الحالي للقبول في جامعاتنا لا يمكن وصفه بأقل من كونه حجر عثرة أمام التنمية، وإذا استمر على ما هو عليه فسوف يرجع بنا الى الوراء بدلا من تأهيلنا للمشاركة في سباق التنمية. التعليم هو أساس التقدم لكل الدول وبدونه لن تستطيع أي دولة -مهما كانت- أن تجعل لنفسها مكانة بين الدول، وستجد نفسها تحت رحمة الدول الأخرى في الحصول على ما تحتاجه. جامعاتنا توصد أبوابها أمام الفتيات الراغبات في الالتحاق بكلية الهندسة