هنالك أحيانا أسباب وجيهة للقلق إزاء الدَّين الوطني الأمريكي. هذا الدَّين لا بد أن يُخدم، وهذا يتطلب جمع الضرائب، الأمر الذي يشوه الاقتصاد. إذا أصبح الدَّين الحكومي كبيرا جدا إلى درجة أن الطريقة الوحيدة لتجنب الإعسار هي الإبقاء على أسعار الفائدة متدنية إلى الأبد، فإن أسعار الفائدة المتدنية نفسها يمكن في النهاية أن تكون لها آثار سلبية على الاقتصاد. في السيناريو الأسوأ، يمكن أن يخسر المستثمرون ثقتهم في قدرة الحكومة على تسديد ديونها، ما يرغم البنك المركزي على طباعة المال لتمويل الحكومة، الأمر الذي يزيد من مخاطر التضخم. مع ذلك، لم تقترب الولاياتالمتحدة (ولو من بعيد) من هذه النقطة. حيث إن الديون الوطنية متواضعة ومستدامة، وكان اقتراض الحكومة الفيدرالية مسؤولا بشكل ملحوظ. لم تكن لتعرف هذا من قراءتك للمقالات الهستيرية التي تخطف الأنفاس في وسائل الإعلام حول الديون. في الآونة الأخيرة فقط، نشرت صحيفة تايم موضوعا للغلاف بعنوان «الولاياتالمتحدة ذات انعدام الملاءة». ونشرت في نفس الوقت مواضيع مخيفة أخرى حول الديون، مثل المقال الذي كتبتْه مايا ماكجينيس، التي تترأس مركزين فكريين مكرسين لممارسة الضغط من أجل خفض الديون الحكومية. وفقا لمقالة الصحيفة، يدين كل فرد أمريكي بحوالي 43 ألف دولار بسبب الديون الوطنية. وهذا القلق ليس في محله لعدد كبير من الأسباب. أولها، أن الحكومة الأمريكية ليست عديمة الملاءة. يغلب على الإعسار أن يحدث عندما تكون المطلوبات أكبر من الأصول. هذا أحد المبادئ الأساسية في المحاسبة. أحد أصول الحكومة الأمريكية هي قدرتها على فرض ضريبة على الاقتصاد الأمريكي من أجل الإيرادات. إن الديون الوطنية - التي تشمل ديون الجمهور والأموال المستحقة على فروع الحكومة الأخرى - تعادل فقط الإيرادات الضريبية لست سنوات تقريبا. إذا كرست الولاياتالمتحدة خُمس إيراداتها الضريبية لتسديد الديون الوطنية بأكملها، فإن الأمر قد يستغرق 30 عامًا للقيام به. وهذا ليس انعداما للملاءة. وبعد ذلك، فقط لكون الحكومة الأمريكية تدين بالمال لا يعني أن الولاياتالمتحدة نفسها مدينة بالمال. هذان أمران مختلفان تماما. ارتفعت النسبة المئوية للدين الوطني الأمريكي المدان للأجانب منذ الثمانينيات، لكنه لا يزال يشكل حوالي ثلث الإجمالي فقط. أما الثلثان الآخران فهما مستحقان للمستثمرين الأمريكيين. إذا قامت الحكومة الفيدرالية بتسديد الدين الوطني، فإن ثلثي الأموال سوف يتم دفعها للأمريكيين. كنسبة مئوية من الديون الوطنية المستحقة على الناس (الرقم المذهل الظاهر على غلاف مجلة تايم)، يبلغ حوالي 45 بالمائة. لذلك، فإن المبلغ الحقيقي المدان به المواطن الأمريكي العادي، بالمعدل الصافي، بسبب الديون الفيدرالية ليس 43 ألف دولار، وإنما هو أقرب إلى 19400 دولار. وهذا ليس مخيفا جدا، أليس كذلك؟ أيضا، يقول بعض الكتاب إن الدَّين آخذ في النمو بسرعة أكبر من الاقتصاد. كان هذا الأمر صحيحا خلال سنوات الركود العظيم، لكنه لم يعد كذلك. حيث إن الدَّين الوطني المستحق على الناس آخذ في النمو الآن بمعدل نسبته 3 بالمائة تقريبا، في الوقت الذي ينمو فيه الاقتصاد بمعدل نسبته 3.4 بالمائة تقريبا (هذان الرقمان بالقيمة الاسمية). بمعنى آخر، العجز في الولاياتالمتحدة هو الآن مستدام بشكل ممتاز. ويمثل هذا عرضا ملحوظا - ربما حتى مفرطا - للمسؤولية التي تتمتع بها الحكومة الأمريكية تجاه المالية العامة. خلال فترة الركود العظيم، عندما كان الملايين عاطلين عن العمل، أدارت الحكومة عجزا كبيرا في محاولة منها لتحفيز الاقتصاد. لكن في الوقت الذي أخذ فيه الاقتصاد في الانتعاش، فرضت ضرائب أعلى بحيث ولدت المزيد من الإيرادات وتم كبح جماح الإنفاق. بالمناسبة، هذا هو تماما ما تقترحه السياسة الاقتصادية الكينزية القياسية. حتى أن هنالك حجة يمكن التقدم بها تفيد أن الحكومة تحولت إلى التقشف في موعد أسرع مما يجب، وجعلت الانتعاش لعام 2012 أبطأ قليلا مما كان يمكن أن يكون. لمعرفة كيف تم كبح جماح الاقتراض الحكومي، انظر إلى معدل نمو نسبة الدَّين العام الفيدرالي إلى الناتج المحلي الإجمالي. عندما يكون معدل هذا النمو إيجابيا، ينمو الدين بشكل لا يكون معه قابلا للاستدامة. وعندما يكون سلبيا، تتقلص المديونية. لاحظ كيف تأرجحت الولاياتالمتحدة ودخلت منطقة الوضع المستديم للمرة الأولى منذ التسعينيات. بالتالي الدَّين الأمريكي ليس كبيرا بشكل مخيف، ولا ينمو بالارتباط مع الاقتصاد. في المستقبل، ربما يفعل هذا في حال تسارعت أسعار الرعاية الصحية مرة أخرى، أو إذا ارتفعت أعمار السكان أكثر. لكن تستطيع الولاياتالمتحدة اتخاذ خطوات لمعالجة تلك الحالات الطارئة عند حدوثها. بالنسبة للوقت الحالي، تعيش الولاياتالمتحدة في أعظم فترة تتسم بالمسؤولية نحو المالية العامة منذ إدارة كلينتون الثانية.