إحدى ذكرياتي المفضلة خلال فترة حياتي القصيرة في وول ستريت في أواخر الثمانينيات هي تلك المتعلقة بزيارة ميرفين كينج. بعد مرور عام على كون البروفيسور كينج - الذي يدعى الآن البارون كينج، لكنني ما زلت أعتبره البروفيسور كينج - أستاذي في كلية لندن للاقتصاد، تم تعيينه لتقديم النصح والمشورة لأحد أجهزة التنظيم المالي البريطانية الجديدة. وحيث إنه كان يفتقر لأي خبرة مباشرة في الأسواق المالية، اعتقد هو أو هُم بأنه يمكن أن يستفيد من التعامل مع ممولين أمريكيين حقيقيين. كنت أعمل حينها في مكتب شركة سالومون براذرز في لندن لمدة ربما تصل إلى 6 أشهر عندما جاء أحد رؤسائي إلي وقال بصوت يدل على الانزعاج: «لدينا هذا الأستاذ الجامعي الذي يريد الجلوس مع موظف مبيعات لمدة يوم واحد: هل نستطيع أن نعهد به إليك؟» ودخل الأستاذ كينج. ينبغي علي القول هنا إن طلبة هذا الأستاذ، بمن فيهم أنا، غالبا ما كنا نخرج من اللقاءات معه بإحساس لطيف. حيث إنه كان لطيفا مع الناس الأقل ذكاء منه (الجميع تقريبا) وكان يجد أمرا مثيرا للاهتمام في ما كان ينبغي على الآخرين قوله عندما لا يكون هنالك سبب واضح لذلك. كان يريدنا حقا أن نشعر كما لو أنه هو والشخص الآخر مندمجان في تبادل أفكار حقيقي، رغم أن الأفكار ذات القيمة الحقيقية كانت أفكاره هو. مع ذلك، كانت له حدوده. الرجل الذي كان قد منحني قبل عام درجة (جيد) وربما افترض أنني سوف أغوص في أعماق الاقتصاد الأمريكي ولن يسمع عني أبدا بعد ذلك رآني أبتسم وأتصل بالهاتف في مكتبي في (سالومون براذرز) ثم استغْرَبَ حين رآني وأدار وجهه إلى الجهة الأخرى ثم عاد ينظر إلي. جلس في المقعد المجاور لي وأخذ الهاتف الإضافي الذي مكنه من الإصغاء لمكالمات المبيعات التي كنت أجريها. بعد مضي ساعة أو نحو ذلك، ترك ذلك الهاتف. وسألني: «إذن، يا مايكل، كم يدفعون لك هنا لقاء عملك هذا؟» عندما أجبته على سؤاله، قال تقريبا: «هذا ينبغي أن يكون حقا مخالفا للقانون». بعد مضي 15 عاما تقريبا على ذلك اللقاء، تم تعيين كينج محافظا لبنك إنجلترا. وخلال فترة توليه المنصب التي امتدت لعقد من الزمان، وانتهت في عام 2013، أصبح بنك إنجلترا، ولا يزال، راوي أحداث عالم التمويل العالمي المؤسسي الأكثر جدارة بالثقة. فهو المكان الوحيد في داخل التمويل العالمي حيث لا يبدو فيه الموظفون بأنهم يمضون نصف وقتهم يتساءلون متى سوف يتصل بنك جولدمان ساكس ليعرض عليهم فرصة عمل. لأسباب عدة، لا يبدو أنهم خائفون. أحد هذه الأسباب، على ما أعتقد، هي وجود كينج. الآن قام الأستاذ كينج - أو البارون كينج إن شئت - بتأليف كتاب بعنوان «نهاية الخيمياء»، الذي ليس مذكرات شخصية تتعلق بفترة توليه المنصب في بنك إنجلترا. في الواقع، يبدو كينج منزعجا من فكرة أنه هو أو أي موظف أخر في القطاع الحكومي من المفترض أن يكون بطل روايته. ويكتب في مقدمته: تم نشر العديد من التعليقات والمذكرات المتعلقة بالأزمة المالية. هناك عدد كبير من الكتب، لكنها تتشارك نفس العنوان الفرعي غير المرئي: «كيف أنقذتُ العالم». بدلا من ذلك، يعتمد كتاب كينج على تجربته في إدارة بنك مركزي - وإدارة أزمة مالية - لتشخيص العلل التي يعاني منها قطاع التمويل الحديث. الغريب في ذلك، إن حاز كتابه على إعجاب الآخرين ونال الاهتمام الذي يستحقه، فإنما ربما يعمل فعلا على إنقاذ العالم. نقطة الانطلاق عند كينج هي أن أزمة عام 2008 لم تكن أمرا شاذا أو غريبا لكنها النتيجة الطبيعية المترتبة على الحوافز السيئة والتي لا يزال تُطبَخ وتُحشَر داخل المال والأعمال المصرفية - وبالتالي من المرجح جدا أن تتسبب في حدوث أزمة أخرى، ربما أكبر حتى من الأزمة الأخيرة. يكتب قائلا: «الشيء الغريب هو أنه بعد حدوث ما يمكن القول إنه أكبر أزمة مالية في التاريخ، لم يتغير في الحقيقة الشيء الكثير فيما يتعلق إما بالهيكل الأساسي للخدمات المصرفية أو الاعتماد على البنوك المركزية لاستعادة الازدهار الاقتصادي الكلي». لا تزال المسؤولية المحدودة للمساهمين تحفزهم للسماح للبنوك التي يستثمرون فيها بالدخول في مخاطر أكبر مما يمكنهم تحمله فيما لو أجبروا على التعايش ليس فقط مع المكاسب المتأتية من المجازفة المالية وإنما أيضا مع الخسائر. لا يزال صغار المودعين، الذين يجري تحويل أموالهم إلى استثمارات محفوفة بالمخاطر، مشمولين بالتأمين على الودائع، وبالتالي فإنهم لا يكترثون بما يفعله المصرفيون. ولا يزال كبار المودعين وأي شخص آخر يودع أمواله في المصارف يعتقدون بأنه كلما كان حجم البنك أكبر كان ذلك أفضل، لأنه كلما كبر حجمه زادت احتمالية أن يقدم له البنك المركزي الإنقاذ في حالة حدوث خلل ما. (يذكر كينج أن بنك جيه بي مورجان تشيس اليوم لديه نفس الحصة السوقية التي كانت لدى أكبر 10 بنوك مجتمعة في عام 1960). وهذا لا يعني أنه لم يتم تحقيق أي شيء، لكن ما تم تحقيقه حتى الآن ليس كافيا وبشكل يثير القلق.