منذ أربع سنوات تقريباً وأنا أكتب بجريدة اليوم، وأتفادى من خلالها الحديث عن عملي الرئيسي في جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية لأسباب كثيرة، يمكنكم كقراء تخمينها، كما أنني أعتمد عليكم في هذا التخمين بالطبع. ما زلت مؤمنة بأن الكتابة وحدها هي ما يطلق العنان لكل الفرح الدموع والآهات والمشاعر المختلطة التي تواجهني مع زميلاتي في هذا المجال، واللاتي أخبرهن يومياً بأنني أفضل حالاً منهن، لأن لدي متنفسا آخر هو الكتابة، لهذا أهرب من العمل لأكتب هنا في هذه الزاوية، هذا المتكأ الذي يجرحني كلما ابتعدت عنه، ويعاتبني كلما اقتربت منه أكثر. ولهذا أيضاً يلمنني لماذا لا يكون كل ما أكتبه يدور حول الإعاقة، خاصة أن المواضيع المتعلقة بهذا المجال لا تنتهي، ولكنهن لا يعرفن أبداً أن الإعاقة لا تعني لنا موضوعاً فقط، هي أبعد من ذلك بكثير، أبعد للدرجة التي تصبح فيها الكلمات قليلة جداً والأحرف لا تكفي، ولا تستوعب ما نعيشه داخل ساعات الدوام من مشاعر وتفاصيل لا يمكن أن يترجمها الكلام.. بالكلام. قبل يومين أقيم حفلنا الختامي والسنوي لتخريج الدفعة الخامسة عشرة لأطفال الجمعية في مقرها بالدمام، نعم حفل الختام.. رغم أنه لا ختام للنجاح، لا ختام للأهداف، لا ختام للمحبة والصدق الذي يجمعنا طوال هذه الأعوام كموظفات، إلّا أن الكثير من الحضور قد يظن أننا نحتفل بالنجاح التعليمي أو الدرجات العليا أو تخريج الطلاب من مرحلة لمرحلة أكبر كباقي القطاعات التعليمية الأخرى، وقد يظنون أيضاً أن دورنا ينحصر في تعليمهم الكتابة والقراءة، الحروف، الأرقام، العلوم، والأشكال، طبعاً نعلمهم كل ذلك حسب قدراتهم، ولكن.. هذا ليس إلا جزءاً بسيطاً أو ثانوياً من عملنا، لأن دورنا الحقيقي والأساسي الذي نعمل عليه كفريق عمل هو أن نجعل أبناءنا من ذوي الإعاقة يتقبلون ذواتهم ويحبونها، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك في هذا العمر المبكر فإنهم حتماً سيفقدون إيمانهم بقدراتهم الداخلية العظيمة التي يتميزون بها، وهذا ما لا نريده أن يحدث أبداً. الأطفال فقط هم من يرون الأشخاص كاملين وتامين، لهذا نحن نعرف أننا لسنا الأفضل، ولم نصل للكمال مهما اجتهدنا، في الحقيقة نحن نعلم ما القصور الذي نعاني منه تماماً ونعترف به، لكننا بذات الوقت نعترف أيضاً بأننا نجيد الكثير من الأشياء، وأكثر ما نجيده هو الحب الخالص، ليس للعمل فقط، بل لهؤلاء الأطفال الذين نريدهم دوماً أن يكونوا سعداء، أن يثقوا بأنفسهم، ويحسّنوا أداءهم وحركتهم وطريقة تعبيرهم عن رغباتهم وأحلامهم، ثم يستمدّون من ذواتهم القوة الكافية لمواجهة الحياة بصحبة أمهاتهم، لأنهن أفضل شاهد على خبرات أطفالهن، بل الشاهد الوحيد على ذلك السر، سر تطوير الخبرات، الانتكاسات، النجاحات، الاخفاقات، والصمود الذي قد يجعل منهم أشخاصاً قادرين على تغيير العالم في يوم من الأيام. مجمع الأمير سلطان للتأهيل.. كل عام وأنت بخير، كل عام وأنتَ بيتي الذي ينسيني بيتي كما تقول أمي، شكراً لأنك صنعت منّا ما نحن عليه الآن، رغماً عن العقبات، رغماً عن القصور، رغماً عن كل الاغراءات خارجك.. شكراً لأننا جزءٌ صغير من عطائك، بينما أنت كل ما لدينا من عطاء.