ظهر الفن الحديث والمعاصر في أوروبا وأمريكا في سياقات ثقافية وسياسية خاصة بمجتمعات دون غيرها، جعل منها مدارس واتجاهات وتيارات متنوعة ومختلفة؛ لذا تجد من الجماهير في الغرب من يعجب بها ومنهم ومن يعارضها وفقًا لأيدلوجيته وفلسفته الجمالية. الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية لم تكن استثناء بين الحركات الفنية في الوطن العربي عمومًا؛ حيث انتقلت إليها الفنون الحديثة مثل التجريدية وما بعدها إلى أن أصبح زوار المعارض يشاهدون أعمالا فنية غاية في المعاصرة، وهذه الأعمال أجد فيها تناميا من الناحية الكمية والنوعية داخل صالات العرض في السعودية ودول الخليج وبقية الدول العربية. ما استطيع أن أصفه في سطور هو أن الفنان السعودي نقل الفن المعاصر من الخارج إلى الداخل دون وعي ودراسة لتلك السياقات التاريخية والثقافية التي نشأ فيها هذا النوع من الفن والفكر الفلسفي في الغرب، هذا ما صنع فجوة بين الفنان والجمهور؛ حيث إن الفنان يعرض أعماله في الصالات من أجل نشر فكره ورسالته الفنية ولكن يستغرب عدم وصولها للجماهير وتتكرر هذه المشكلة مع أغلب الفنانين، كما أن هناك رأيا جمعيا لدى أفراد المجتمع بأنهم لا يفهمون الفن التشكيلي ولا ما يحتويه من رموز وأشكال ورسائل بصرية وكأنهم يشاهدون طلاسم ويسمعون خزعبلات من الفنانين ودجلا من النقاد وأصحاب الصالات حول تلك المعارض وما تحتويه من قيم فنية وإبداعية ترسم ملامح ثقافتهم المعاصرة. في تصوري ان ما ذُكر أعلاه حقيقة وصحيح وأن المشكلة تكمن في التقليد وعدم المرونة في نقل هذا النوع من الفن من العالمية للمحلية واتباع أسلوب التعالي على الجمهور وتحقير مستواه الفكري والثقافي، وما لاحظته أيضا أن نقاد حركة الفن المعاصر في الغرب كثيرون ويعتمد بعضهم على السياق التاريخي في ظهوره ودور الصهاينة في إدارة الحركة الفنية وامتلاك صالات العرض وشراء الأعمال ومزادات البيع والسيطرة على وسائل الإعلام وشراء النقاد في أوروبا، فعلى سبيل المثال متوسط سعر لوحات لويس فونتانا 51 مليون ريال حسب دراسة موقع مراقب سوق الفن. أنصح بمراجعة ما كتبته الدكتورة زينب عبدالعزيز أستاذة فلسفة الفن في كتابها «لعبة الفن الحديث» والتي اعتمدت على وثائق فرنسية تكشف ما تم التعتيم عليه في نشأة الفن المعاصر. من جانبي الشخصي أعجبت ببعض الأعمال المعاصرة لفنانين السعوديين واكتشفت لاحقا أنها مقلدة من تجارب لفنانين غربيين، وتفاجأت بذلك عندما زرت المعارض والمتاحف في الخارج وبالحوار المباشر مع الفنان ذاته حول فلسفة العمل وما يحتويه من مضامين، تملكتني الدهشة من سذاجة الرسالة وسطحية الفكر مع وجود مهارة في التنفيذ وتحمّس وانجذاب كبير نحو المعاصرة والعولمة. ختاما، أوصي زملائي الفنانين بضرورة التفكير والتأمل والاطلاع وتنمية الثقافة حول فلسفة الفن والحركة الثقافية العالمية لمعرفة الجذور التاريخية للفن المعاصر وتحليل واقعه لمعرفة ثوابته ومتغيراته واستشراف مستقبله ليستفيدوا من مهارتهم الفنية وإبداعاتهم التشكيلية في بناء تجربة فنية تشهد لها الجماهير بأنها ساهمت في تشكيل وعيهم وتنمية ذوقهم وحسهم الجمالي وتكوين اتجاه إيجابي نحو الفن والفنانين، ويشهد لها تاريخ الفن بظهور مدرسة فنية عربية سعودية تستحق الدراسة والتأمل ونقلها من المحلية للعالمية.