يا أبانا اسلم تعدتك المخاطر تفتديك الروح منا والمحاجر لو ملكنا أنجم الجوزاء صُغنا من سنا أضوائها شِعرا يفاخر إنه الإحساس بالفضل الذي تقصر الأقلام عنه والمحابر فقصيد الشعر في حقك حائر أو ليس النهر عند البحر قاصر؟ الأبيات السابقات ليست لشاعرة من عصور الإسلام الأولى، وليست لليلى الأخيلية التي عاشت وعمرت حتى أدركت فتى ثقيف وبطل الدولة الأموية وهو الحجاج بن يوسف الثقفي.. ولكن شاعرتنا مبدعة هذه الأبيات هي من بنات منطقة الباحة، والأبيات السابقات أخذتُها من قصيدة لها بعنوان (تفتديك الروح منا والمحاجر). القصيدة قرأتُها في ديوان عنوانه (ونطقت وجعا) صدر في عام 1437ه في أكثر من مائة صفحة، وأرسله الابن سعيد بن علي بن شبرق عن طريق الصديق المشترك الأخ علي بن حسن بن يحيى صوهد. هذا الديوان ضم بين دفتيه أكثر من أربعين قصيدة وسبع مقطوعات وجلُ القصائد تمتطي أمواج بحور الخليل وقليلها يداعب (شعر التفعيلة). مواضيع الديوان في حبِ الله سبحانه، ثم حب الوطن والوالدين، وهموم المسلمين من فلسطين إلى سوريا. والديوان للشاعرة هيفاء بنت سعيد شبرق وجاء ناضحا بالبلاغة والخيال والحق والجمال. الديوان أثار لدي شخصيا شجونا لا أقاومها فالشاعرة من قرية الريحان والتي يقيم فيها شيخي وأستاذي الشيخ سعد المليص، وهو أستاذ الجيل ومربِي الملكات والإبداع لدى شبابنا والشابات. وعلى أرض الريحان ترعرع والد الشاعرة الأستاذ سعيد شبرق في كنف والده علي بن شبرق، وعلي هذا رحمه الله صديق لي سكن سويداء قلبي ومن ذريته مربون، وإعلاميون وأدباء أكبرهم عبد الله صاحب مدارس أهلية مرموقة. والشاعرة رثت جدها لأمها الدكتور أحمد بن علي التابعي (صفحات 36، 93 -94) وهو لي صديق طفولة ورفيق عمر - رحمه الله. كما رثت جدتها والدة أمها (صفحات 77 - 79) وهذه الجدة المرثية أرضعت أخي الأكبر مني فهي بهذا أمي. والقصائد حسب ورودها ولدت في فترة زمنية تقع بين عامي 1417 و1436ه، بينما اكتملت هذه القصائد في مدن عدة وأغلبها في مصيفنا الجميل مدينة الطائف. وتخللت القصائد سبع مقطوعات صورت فيها الشاعرة بعض رؤاها عن الحياة والناس وباقي المخلوقات. جالت الشاعرة في فيافي الحياة ولكن تعلقها بالله، وأملها في حياة أخروية ناعمة تتجلى في قصيدتها (لحظة توبة): ذقتُ المرارة والأسى في البعد عن ركب الثقات وأذابني حرُ النوى وأنا أروم إلى الثبات فلتعفُ يا رحمن عن تلك الذنوب المهلكات واقبل إلهي أوبتي خذني بركب التائبات أما الوطن لديها فهو ورد وربيع إذ تقول: دمت يا أرض بلادي منبع العز الرفيع جنة في الصدر أنتِ ورؤى الصبح البديع وعن أمها تقول: أيُ قلبٍ عامرٍ يا مقلتي أيُ صبرٍ ليس يحكمه البيان فاصفحي يا أمي عنِي زلتي في ثرى رجليك تحلو لي الجنان ويصعب عليها الفراق ليلة زواجها، فتخاطب والديها: علمتماني حب كلِ فضيلة تعلو وتسمو سائر الأزمان وزرعتما في المبادئ بذرة فتألقت وردا مع الريحان وتعيش الشاعرة محنة قومها وجراحهم التي لا تندمل، فتتخيل أنها زارت (غزة الجريحة) وتحاورت مع شقيقتها الغزاوية: أختاه يأ أخت العقيدة فاشتكي ففؤاد أختك للحزانى مورد وتفتقت كلماتها ببكائها... وحديثها بنحيبها يستشهد ليلي طويل لا ضياء ينيره... ومعي بنياتي الصغار أهدهد مذ غاب زوجي عن حياتي صرت ما بين المخافة والمنى أتردد لكن إيماني وصدق عزيمتي... من بين أوحال الدنا تستأسد فأقول حي على الجهاد رجالنا... ونساؤنا وصغارنا والقُعد وقبل ختم هذه المقالة، أعطوني وعيكم فنذهب مع الشاعرة إلى روابي دمشق وساحات حلب ومآثر تدمر وهي تتلظى بلهيب نيران (بشار) وبراميله المتفجرة: عايشتُ إحساس الأراملِ حينما يبكي الصغارُ دموع دمٍ من سغب جوع وتشريد وبرد جامح يضفي على المأساةِ فصلا من كُرب ثم تقف شاعرتنا عاجزة عن النجدة فتخاطب الأم السورية المكلومة: والله، ما لي منفذ أو حيلة إلا الدعاء لخير مسؤولٍ، ورب أن يرفع الكرب العظيم وينجلي ليل تطاول ركنه لما وقب سيجيء نصر والهتاف سيعتلي تبت يدا بشار مخذولا وتب.