مضى الآن سنوات كثيرة كانت الصين تتودد فيها وبشكل مسرف للأصدقاء في جميع أنحاء العالم النامي. والقادة الصينيون، في تناقض مقصود مع نظرائهم الغربيين، يذرعون الكرة الأرضية بأموالهم الكثيرة والمعونات التي يتبرعون بها والقروض الرخيصة وصفقات البنى التحتية، في محاولة منهم للحصول على كل من النفوذ والمواد الخام. البلدان المعتمدة على السلع الأساسية تحصل على تمويل رخيص من أجل التنمية، رغم تصنيفاتها الائتمانية التي غالبا ما تكون متدنية، أما الصين فتحصل على النفوذ الدبلوماسي والحصول على السلع بأسعار رخيصة. ويفوز كلا الجانبين، إلى أن يحين الوقت الذي لا يعود فيه ذلك هو واقع الحال. سرعان ما تصبح مخاطر هذه الاستراتيجية واضحة للعيان. في السنوات الأخيرة، أدت تغييرات الحكومات في بلدان مثل ميانمار وسريلانكا إلى طرح تساؤلات تتعلق بالصفقات الموقعة مع الصين من قبل إدارات سابقة. الآن، يبين الانهيار البطيء في فنزويلا كم يمكن أن تكون مثل تلك الصفقات رهيبة بالنسبة لكل من المقترضين والصين على حد سواء. خلال العقد الماضي، أقرضت الصين أكثر من 60 مليار دولار لفنزويلا لتبقيها واقفة على قدميها ولمساعدة الرئيس نيكولاس مادورو في البقاء في السلطة. وتمت هيكلة القروض إلى حد كبير ليجري تسديدها ليس نقدا، بل من خلال النفط. في ذلك الوقت، بدا ذلك أمرا معقولا لكلا الجانبين: حيث حصلت فنزويلا على التمويل بأسعار فائدة تفضيلية، واكتسبت الصين حليفا لها وضمنت مصدرا موثوقا للنفط، الذي وصل بعد ذلك إلى 100 دولار للبرميل. لكن الآن حيث انخفضت أسعار النفط إلى ثلث المستوى العالي الذي كانت عليه، تناضل فنزويلا للوفاء بالتزامات الدين الهائلة لديها. وهي تحتاج إلى شحن كميات من النفط تصل إلى ثلاثة أضعاف ما كانت تشحنه قبل 18 شهرا فقط من أجل تسديد الديون في وقتها، وهو ما يعني من الناحية العملية أن تكلفة الاقتراض أصبحت 3 أضعاف بالقيمة الحقيقية. أدى هذا إلى إثارة حلقة مفرغة. حيث إن الصين لديها حق أول من يحصل على صادرات النفط في فنزويلا، فلا يتبقى لدى فنزويلا سوى القليل جدا لتبيعه في أماكن أخرى. وفقا لبعض التقديرات، يمثل النفط أكثر من 95 بالمائة من إيرادات التصدير وما يقارب نصف جميع الإيرادات العامة في فنزويلا. يعمل تقلص المبيعات على الحد من قدرة البلد على تمويل عمليات إصلاح وصيانة حقولها النفطية، ناهيك عن تسديد ديونها للمقرضين من غير الصين. والجهود المبذولة الرامية إلى توسيع نطاق الإنتاج تنذر بخطر تفاقم الزخم العالمي الحالي للنفط، ما يعمل على خفض الأسعار بشكل أكبر. في الوقت نفسه، تعاني الصين من أجل استيعاب جميع كميات النفط التي يجري استيرادها من فنزويلا وأماكن أخرى. وبعد أن وصلت الصين على ما يبدو إلى امتلاء احتياطياتها الاستراتيجية، تحولت إلى أساليب غير تقليدية لتخزين النفط في الوقت الذي يتم فيه بناء مستودعات جديدة. والبحار قبالة سواحلها تتميز الآن بأعلى تركيز في العالم من الصهاريج المملوءة بالنفط. نظرا لتكلفة الشحن المنخفضة تاريخيا، ربما يقدم هذا حلا قصير الأجل، لكنه ليس مستداما. كما تعاني أيضا شركات إنتاج النفط في الصين من تدني الأسعار بنفس قدر معاناة فنزويلا. لمنع تلك الشركات من تكبد خسائر كبيرة، أعلنت الحكومة الصينية مؤخرا عن حد أدنى محلي للأسعار. معنى ذلك أن المستهلكين لا يستفيدون حتى من جميع النفط الرخيص المتدفق عليهم. تواجه الصين الآن خيارا فظيعا: إما دعم حليف سياسي بالمزيد من القروض الرخيصة التي ربما لن يتم تسديدها أبدا، أو المعاناة من إعسار وخسائر جسيمة. المفارقة هي أنه لم تكن هنالك أي حاجة أبدا لأن تقوم الصين بمبادلة قروضها مقابل النفط، وهو سلعة عالمية يجري تداولها بحرية ومتاحة في السوق المفتوحة. في الواقع، المثال الوحيد المعروف عن بلد رفض بيع سلعة عالمية جاء في العام 2010، عندما حظرت الصين وبشكل مؤقت صادراتها من المعادن الأرضية النادرة. ربما يكون الرهان الأفضل للصين عند هذه المرحلة هو في إعادة هيكلة قروضها لتخفيف العبء على فنزويلا، الأمر الذي يعمل على توسيع نطاق شروط السداد للسماح لهذا البلد الأمريكي اللاتينيي بزيادة التدفق النقدي الآن. كما يمكن بناء درجة معينة من مرونة الأسعار في داخل الصفقة، بحيث تبقى الصين قادرة على شراء النفط المخفض، فيما لو ارتفعت الأسعار بشكل غير متوقع خلال السنوات القليلة القادمة. نظرا للتقلبات في أسواق السلع الأساسية، ينبغي أن يعمل هذا على طمأنة القادة الصينيين بعض الشيء. وربما يكون البديل هو إعسار صريح يتسبب في أن تخسر الصين حليفا لها وكذلك النفط.