في أبريل من العام المنصرم كتبت مقالا يحمل عنوان «2030»، احتوى المقال على قدر من التوقعات الاقتصادية بتشكيل العالم في هذا العام بالذات، وانصبت التوقعات على تراجع الاقتصاديات المتقدمة كالامريكية والاوروبية وتقدم الاقتصاديات الواعدة كالصين والهند. كما اختارت دول كالصين وروسيا وضع رؤاها للعام ذاته 2030 إذ يُعمل بها من الآن في كلا البلدين على أن تتوقف في ذلك العام بالتحديد، وكأن هذا العام يشكل نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة من الاقتصاد العالمي. آخر الرؤى الاقتصادية لهذا العام كانت الرؤية الاقتصادية السعودية 2030 التي أطلقت قبل أسبوع، إلا أن هذه الرؤية رغم تفاجئنا بها الى حد كبير، لم تكن الأولى خليجياً، فقد كانت البحرين أول من أعلن عن مشروع رؤية 2030، وأطلقها منذ سنوات مضت ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي قاد توجها إصلاحيا للاقتصاد البحريني لا يمكن إغفاله، وإن قد أوهنته الازمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة طبعا. وهناك أيضا رؤية قطر والامارات 2030، غير أننا نتفق على أن رؤية السعودية تختلف عن نظيراتها لأسباب سنأتي عليها، فالمملكة العربية السعودية هي من تقود اقتصاديات الخليج وإن عملت كل واحدة على انفراد إلا أن الدور القيادي للسعودية جعلها تحمل وصفا ايدلوجيا إذ تعرف بديهياً ب«الشقيقة الكبرى» وهي إشارة للدور الرئيسي الذي تقوم به السعودية لقيادة الدول الخليجية في المشاريع المشتركة، وعليه فإن تقدمها في أي من المجالات سيكون له انعكاس بحجم النجاح على الدول التي تدور في فلكها. ولكن يختلف الأمر في الاقتصاد شيئا ما، فعلى مستوى الاقتصاد هنا يبرز تفوق السعودية من خلال التفاضل في حجم الثروات وحجم احتياطي النفط وحجم القوى العاملة، إنها هنا لا تفرض نفسها وحسب بل إن لها القدرة على أن تكون متقدمة بدون اجماع. لذا فإن رؤية السعودية المستقبلية لن تقود تغييرا على المستوى المحلي ومستوى اقليمها الذاتي وحسب، بل إنها ستعكس أي نجاح من خلال هذا التغيير على كافة الدول المرتبطة بها من ذلك المنطلق. إن أكثر ما يمكننا اعتباره أمرا إيجابيا للرؤية هو النية في التغيير، والفهم للقدرات التي كانت تبدو ضئيلة فيما سبق. إن الكلمات التي تناولها نص الاستراتيجية ك«التعليم والتأهيل، الحوكمة، الشفافية، الخصخصة، الاداء الحكومي الفعال، المشاركة، شراكة القطاع الخاص، محاربة البيروقراطية، الجودة والكفاءة» كلها عناوين تنشد التغيير حتى في الخطاب قبل الاستراتيجية، ما يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل بلا ريب. ذلك مجرد مفتاح، لنعترف بأن المملكة العربية السعودية تمتلك عقولا وموارد بشرية عظيمة، هي وحدها تُعتبر ثروة فإذا ما تمت إدارتها وفقاً لتلك العناوين فإن تغييراً عملاقاً قادماً، قادر على تحويل المنطقة الى قوة اقتصادية منافسة. ولنا تكملة.