قامت شركة جوجل بإعلان نتائج دراستها (أرسطو) التي قامت بها على مدى سنوات لدراسة أسباب تفاوت النجاح بين فريق عمل وآخر، هل هو عائد لقوانين وقواعد العمل بالمنشأة أم السبب يعود لشخصيات فريق العمل ومهارات كل عضو من هذا الفريق. النتائج كانت تثبت أن الفريق الأكثر نجاحا هو الفريق الذي يُعطى فرصة أكبر للمخاطرة، والسبب هنا ليس حب المخاطرة بقدر ما هو أن فتح المجال للموظفين في العمل والإبداع يشعرهم بثقة الإدارة بهم وبقدراتهم، ويشعرهم بنفس الوقت بمدى المسؤولية الملقاة على عاتقهم. في دراسة أخرى قامت بها إحدى مراكز الأبحاث للمقارنة بين شركة IBM وإحدى الشركات المنافسة لها، بينت الدراسة أن مبيعات IBM تتفوق على منافسيها بكثير لأنها تضع أهدافا بيعية واقعية تتناسب مع قدرات رجال المبيعات ومقومات الشركة اللوجستية، فيحقق 80٪ من رجال المبيعات أهدافهم، بينما يحقق 40٪ من رجال المبيعات أهدافهم البيعية في الشركة المنافسة. النجاح والفشل لهما أسبابها المنطقية التي تؤدي لهما، وللظروف المحيطة بأي فريق عمل تأثيرها أيضا، لكن مسئولية الإدارة أو الحكومة هو العمل على ضمان توفير الظروف الذاتية المثلى لنجاح فريق العمل من وزراء أو موظفين، أما الظروف الخارجة عن إرادة الحكومة أو الإدارة - من طبيعية وجيوسياسية - فليس هناك أي وسيلة للتحكم بها أو السيطرة على تأثيرها على ما نحاول تحقيقه. وكل عمل يتخلله أخطاء ومن لا يخطئ فهو لا يعمل، وليس القضاء على الأخطاء مطلبا معقولا، لكن وجود منظومة إدارية وقانونية قادرة على تدارك الأخطاء وتصحيحها وتقديم الدعم لفريق العمل هو المطلب العقلاني. بلدنا بقطاعيه العام والخاص ليس بعيدا من التأثيرات التي تحيط به، ومن الطبيعي أن كلا القطاعين قد مرا بالكثير من التغييرات التنظيمية والبشرية، ونحن مقبلون على متغيرات كثيرة ستؤثر على وضعنا الإقتصادي وستغير من تركيبة الأسواق وستضع قواعد جديدة قد تمثل فرصا لدخول لاعبين جدد للأسواق وقطعا ستؤدي لخروج بعض اللاعبين الحاليين. ما أعتقده وأؤمن به أن بلدنا بكلا قطاعيه يحتاج لأسباب النجاح التي أشرنا إليها في مقدمة المقال أي إعطاء السوق الثقة والتنظيم المناسب لكي ينطلق رأس المال بثقة وتحمُل للمخاطرة عبر زيادة عدد البنوك، وتنويع منتجات التمويل وفتح البلد تنظيميا على الاستثمار الأجنبي الحقيقي والذي يعود بمنفعة اقتصادية ومعرفية حقيقية على المجتمع. فالكثير من العوائق الموجودة حاليا هي عوائق وهمية وليس لنا أي مصلحة في بقائها، ففتح المجال للمرأة للعمل بمختلف القطاعات أمر مهم وسيغير الكثير داخل بلدنا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. كما أن إلغاء نظام الكفيل سيمكن الدولة من تحقيق التوطين المطلوب وإقصاء العمالة التي تعمل لصالحها مقابل مبلغ مالي شهري للكفيل. إن القطاع الخاص هو الوجه الحقيقي لأي اقتصاد يبحث عن تنويع مصادر الدخل وهو القادر على تخفيض معدلات البطالة لحدودها الطبيعية. أما القطاع العام أو الحكومي فليس المطلوب منه تحمل كل الأعباء المالية لرفاهية المواطن، بل إن دور القطاع العام هو إيجاد الفرص العادلة والمعقولة للجميع عبر القطاع الخاص، وذلك عبر تشريعات قابلة للتطبيق في السوق وليس على الورق أو في خيالات البعض. إن العدالة الاقتصادية تتمثل في تمكين المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا من استغلال الفرص التي أمامه لتحقيق ما يصبو إليه. عندها سيمتلك القطاع الخاص الثقة لأخذ المبادرة وتحمل المخاطرة في ظل تشريعات اقتصادية معقولة وقابلة للتنفيذ كما في المثالين اللذين أشرت لهما أعلاه.