قد يكون اقتصاد بريطانيا آخذا في النمو بمعدل أسرع من الاقتصاد في البلدان الأوروبية الأخرى، لكن هنالك اثنتين من الإحصائيات التي ينبغي أن تكون مصدر اهتمام: أسعار العقارات المرتفعة جدا في لندن، والعجز الحالي في الحساب الجاري (والذي يقيس مجموع الصادرات والواردات وصافي تدفقات الاستثمار بالإضافة إلى صافي التحويلات). هذان الرقمان يمثلان في الواقع وجَهين لنفس العملة. وكلاهما يشير إلى قدوم تصحيح مؤلم إن لم يتم اتخاذ التدابير لاستعادة التوازن. للأسف أن مثل هذا التصحيح لن يكون الأول من نوعه: حيث إن عددًا من أزمات الحساب الجاري الأسوأ والتي لوحظت منذ نهاية اتفاقيات بريتون وودز انتهت في إجراء تصويبات شديدة للعملة ولقطاع العقارات. يحتاج المرء فقط لأن يفكر في إسبانيا أو إيرلندا خلال الأزمة المالية الأخيرة. وبالمثل، وإن لم يكن بالقدر نفسه، تعاني بعض البلدان مثل أستراليا أو نيوزيلندا من عجز مادي في حسابها الجاري الممول من قبل تدفقات الاستثمار العقاري التي تعمل على تضخيم أسعار المساكن المحلية. ووفقًا لمؤشر فقاعة العقارات العالمية (يو بي إس)، هناك مغالاة في تقييم العقارات عبر مدن أوروبا، لكنها أكبر ما تكون في لندن، التي تصل لأعلى درجة في العالم فيما يتعلق ب«مخاطر الفقاعات». وشهدت لندن ارتفاعا بنسبة 40 بالمائة تقريبا في متوسط سعر المساكن منذ بداية عام 2013، وهو ارتفاع يشكل تعويضا أكبر عن الخسائر الناجمة عن الازمة المالية. ويتسبب الارتفاع في قيم العقارات في إسعاد وإرضاء أصحاب البيوت المستفيدين من تأثير الثروة الذي هبط عليهم. لكن عندما تمنع قيود الإسكان إجراء تعديلات على المعروض من المساكن، تصبح الاسعار منفصلة إلى حد كبير عن الاقتصاد الحقيقي. أينما يوجد عرض ثابت نسبيا، كما في مدينة لندن، فإن أفضل طريقة لفهم قطاع العقارات هي أنه سلعة. عندما تقدم البلدان سلعة عليها مثل هذا الطلب المرتفع، فهذا يؤدي إلى ما يشير إليه خبراء الاقتصاد بعبارة «المرض الهولندي» - حيث تعمل السلعة التي يرتفع سعرها على مزاحمة الصناعات الأخرى القابلة للمتاجرة في البلد، سواء من خلال اجتذاب الموارد وعن طريق دعم العملة المغالى فيها. باعتبار لندن عاصمة رائدة في العالم وكمركز ثقافي، فإنها تعمل منذ وقت طويل على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. ومع اتساع عدد سكان المدينة، فإن موجات من المستثمرين الأثرياء الآتية من جميع أنحاء العالم قامت بشراء القارات في المدينة كملاذ آمن، ما أدى في كل مرة إلى رفع الأسعار أكثر. على مدى السنوات العشر الماضية، وصلت تدفقات رأس المال إلى عمليات شراء العقارات في لندن إلى ما هو أقل بقليل من 200 مليار جنيه استرليني (283 مليار دولار)، وآخذة في التسارع. في العام 2015، كان 70 بالمائة من العقارات التجارية المشتراة في وسط لندن تعود للأجانب، في حين كان نصف العقارات الممتازة الجديدة المكتسبة في وسط لندن يعود إلى غير المقيمين. وتم ترويج بعض عمليات التطوير العقاري إلى المشترين الأجانب حصريا، ما اضطر عمدة لندن إلى التدخل. خلال هذه العملية، أصبحت الإيجارات أكثر تكلفة، ما أثر حتى على قطاع الخدمات الإنتاجية في المدينة، مع مواجهة العمال في لندن لإيجارات غالبا ما تشكل 60 بالمائة من إجمالي الإيرادات. مع ذلك، أخفقت حتى الإيجارات المرتفعة في مواكبة الارتفاع في أسعار المساكن، ما أسفر عن انخفاض صافي العائدات للمستثمرين إلى ما دون 2 بالمائة. مع وجود مثل هذه العائدات المنخفضة، قرر كثير من المالكين الأجانب عدم تأجير عقاراتهم الفارغة، وتحويل عقاراتهم من سلعة منتجة إلى مجرد مخزن صاف للأصول، ما أدى إلى تفاقم النقص في المساكن بالنسبة للاقتصاد الحقيقي. وهذا يفسر السبب في أن بعض الأحياء المجاورة الأفخم في لندن تبدو مهجورة نسبيا - وهو ما يطلق عليها اسم مرض لندن. كانت التدفقات الأجنبية المادية القادمة إلى العقارات التجارية والسكنية تعمل على تمويل الحساب الجاري، بحسب بعض التقديرات بمعدل وصل إلى الثلث أو النصف. وقد اعترف كثير من خبراء الاقتصاد، بمن فيهم الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي بين بيرنانكي، بوجود ارتباط ما بين الحساب الجاري وأسعار العقارات. وقد ذهب الاقتصاديان فرانسوا جيرولف وثوماس جريبين لما هو أبعد من ذلك، حيث قالا إنه بالنسبة ل 34 بلدا خلال السنوات الأربعين الماضية، تكون الصلة سببية. وهذا يؤدي إلى احتمالية وجود عملة مغالى في قيمتها، ما يفرض عقوبات على شركات التصدير. إذا ترك الوضع هكذا من دون حل، فإن الاختلالات يمكن أن تؤدي إلى حدوث انهيار في العملة، لأن عجز الحساب الجاري يتجاوز التدفقات الداخلة إلى العقارات. بأي وسيلة كانت، يتم تصحيح أسعار العقارات بمعدلات حقيقية، وإعادة التوازن يمكن أن تكون مؤلمة في الوقت الذي تعيد فيه البلد بناء قطاع للسلع القابلة للمتاجرة. حتى نتجنب مثل هذه النتيجة المأساوية، هناك نوعان من الحلول. الأول، أنه يجب اتخاذ مجموعة من التدابير للسماح للمعروض من العقارات بالاستجابة لارتفاع الأسعار. الأحياء في لندن سيئة السمعة بسبب القيود الشديدة على أذونات البناء. على الرغم من ارتفاع الأسعار، انخفضت التسجيلات للمباني الجديدة بنسبة 9 بالمائة في عام 2015 في لندن. وقد وعدت الحكومة ببذل المزيد من الجهود لتحريرعمليات البناء، لكن الآثار لم تتضح بعد. أما الحل الثاني فهو في تغيير السلوك من خلال الضرائب. حاولت الحكومة فعل ذلك، لكن لسوء الحظ كانت الضرائب التي تم اختيارها لهذه الغاية هي ضريبة الدمغة (الأكثر قبولا من الناحية السياسية) - وهي ضريبة معاملات يدفعها المشتري والتي ترتفع مع ارتفاع سعر الشراء. تؤثر زيادة رسوم ضريبة الدمغة على الممتلكات ذات الأسعار الأعلى في الحد من السيولة وتعزيز الاكتناز. بدلا من ذلك، فإن الزيادة في ضرائب المجالس، المرتبطة بأسعار العقارات، قد تكون منطقية، لا سيما بالنسبة للعقارات التي يمتلكها الأشخاص الذين هم من غير المقيمين أو غير المواطنين. يمكن للأموال التي يتم تحصيلها من هذه الضرائب أن تُستخدَم في تقليص الضرائب على قطاعات التصدير. إن تطبيق إجراءات من هذا القبيل هو أفضل أمل لبريطانيا في سبيل تقليل عجزها دون أن تقع في تصحيح مؤلم.