انتشرت في الأسبوع الماضي الكثير من الصور والفيديوهات تظهر تجمعاً لمئات المواطنين عند أحد البنوك المحلية، احتجاجاً منهم على رفع هذا البنك أسعار الفائدة لقروضهم العقارية. زاد الطين بلّة، تعالي الأصوات والجعجعة ممن يحسبون أنفسهم اقتصاديين أو ماليين، مستغلين فرصة الصعود على أزمات المواطنين ومشاكلهم، حتى وإن تعارضت أقوالهم مع ما هو صحيح. وبالمقابل، استجاب هؤلاء المواطنون البسطاء لأصوات هؤلاء الاقتصاديين، ظناً منهم أنهم قد ظُلموا جرّاء رفع البنك لأسعار الفائدة. لذلك، نصيحتي لكل مقترض ومقترضة، اقرأ عقدك!. لتوضيح الأمر بشكل أكثر إقناعاً للقرّاء، فإن القروض العقارية التي توفرها البنوك المحلية جميعاً، خاضعة لأنظمة صارمة أقرّتها مؤسسة النقد العربي السعودي، وتصب في الضرورة لصالح المقترض، مع الحفاظ على حقوق المنشآت المالية بنفس الوقت. في قروض الأفراد (منها القروض العقارية)، تمنع مؤسسة النقد أية قروض لا تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن الإلزامي أن تكون الاتفاقية مبنية على إحدى الصيغ المجازة شرعاً، والتي تعتمدها الهيئة الشرعية لكل بنك من البنوك المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فقد ألزمت مؤسسة النقد جميع البنوك المحلية بالتقيّد ببنود العقود الخاصة بالقروض العقارية، وذلك ضمن برنامج شامل ترعاه المؤسسة باسم «مبادئ حماية العملاء». بالإضافة إلى كل ذلك، فلا يحق لأي بنك محلي تقديم خدمة القروض العقارية، إلا بموافقة مؤسسة النقد على جميع ما هو متعلّق بالقرض المزمع طرحه، والتأكد من سلامة عقود القرض، واحتوائها على كل البنود الإلزامية من المؤسسة على هذه البنوك. وبذلك، فبإمكاننا القول إن كل ما يتم تقديمه للمقترضين قد تعرض لاكثر من فلترة، وعُرض على أكثر من لجنة داخل المؤسسة، وذلك من أجل الحصول على عدم ممانعة مؤسسة النقد على تقديم هذا القرض، وفرصة مخالفته للأنظمة تكاد تكون معدومة. تنقسم الصيغ الشرعية للقروض العقارية إلى نوعين شهيرين لا تخرج البنوك المحلية في أغلب الأحوال عن أحدهما، هما "المرابحة" والإجارة". تتلخص "المرابحة" بأنها صيغة تعتمد على تمليك العقار للمقترض، وتسجيله برهن يمنع المقترض من بيع هذا العقار فقط، ولكن بالمقابل، فإنه يعطي المقترض كامل الحرية بالتصرف في العقار ما عدا حق البيع. من مميزات هذه الصيغة من القروض، أن أسعار الفائدة المتعلقة بالعقد التمويلي ثابتة طوال مدة القرض (Fixed Rate)، ولا يحق للمقرض في هذا النوع من العقود رفع أسعار الفائدة بأي حال من الاحوال وتحت أي ظرف من الظروف. يلجأ المقترضون غالباً إلى هذه الصيغة لتخوفهم من أي ارتفاعات مستقبلية لأسعار الفائدة، مع تضحيتهم بالقبول بسعر فائدة مرتفع لدرجة ما عن السعر السائد للسوق، نظير ثباتها لفترات قد تصل إلى 30 سنة. أما الصيغة الثانية، وهي صيغة "الإجارة"، وتتلخص بأنها صيغة تعتمد على تملك البنك للعقار، وتحمل البنك سلامة هذا العقار وصيانته، بينما يكون المقترض بحكم المستأجر، مع وعد البنك له بتمليكه العقار عن سداده آخر دفعة إيجارية شهرية. في هذه الصيغة من القروض، لا يحق للمقترض التصرف في العقار كمالك له، بل كمستأجر، ولا يحق له أيضا الانتفاع به أو تأجيره لطرف آخر. ومن مميزات "الإجارة" أن أسعار الفائدة المتعلقة بهذه الصيغة مرنة (Floated Rate)، ويحق للمقرض رفع أسعار الفائدة كلما تطلبت ظروف السوق ذلك. يعتمد نظام سعر الفائدة المرن على مكونين رئيسيين، هما سعر الفائدة السائد محلياً "سايبور" والذي يعني معدلات الفائدة على الأموال في البنوك التجارية، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسعار الفائدة الأمريكية، نظراً لارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. أما المكوّن الثاني فهو نسبة ثابتة يحدده البنك المحلي كربح إضافي له على سعر "سايبور" السائد، ويقوم البنك بإعادة تقييم سعر "سايبور" كل سنة أو سنتين لتعديل سعر الفائدة على المقترض. على سبيل المثال، في حال حصل المقترض على قرض عقاري بنظام الإجارة، وكان سعر "سايبور" السائد في ذلك الوقت هو 1.50%، ويشترط البنك 1% كربح إضافي له على سعر تكلفة الأموال المتمثلة بقيمة "سايبور"، مما يعني أن الفائدة المحتسبة على المقترض ستكون 2.50%. بعد مرور سنتين من القرض قررت البنك المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة بواقع 50 نقطة أساس (0.50%)، فبالتالي، سيرتفع سعر "سايبور" بواقع نفس النسبة، لارتباط العملتين ببعضهما البعض، فيتحول سعر سايبور من 1.50% إلى 2.00%. بالتالي، يقوم البنك التجاري (حسب ما ورد في عقود صيغة الإجارة) بإعادة تسعير "سايبور" بنسبة 2.00% الجديدة، مما يعني زيادة إجمالي سعر الفائدة للقرض على العميل من 2.50% إلى 3.00% (مع ملاحظة أن الزيادة تصب في جهة سايبور، وليس في الربح الإضافي. مع وضوح مبادئ حماية العملاء، وصرامة أنظمة التمويل العقاري المقرّة من مؤسسة النقد، ومع إلزام المؤسسة للبنوك التجارية بتوضيح كل صيغ القروض للعملاء، بل وتزويدهم بالمستندات اللازمة، لقراءتها والاطلاع عليها قبل الدخول في عقد قد يمتد لثلاثين عاما. من المؤسف أن نسمع من كثير من البنوك، أن الكثير من المقترضين لا يأتون حتى لاستلام عقودهم التمويلية، وقد يصل الأمر إلى سنوات، قبل أن يقرر العميل الذهاب إلى بنكه المحلي للحصول على نسخة من قرضه الذي قد يكلف الملايين من الريالات، ولعشرات السنين. والرسالة المفترض إيصالها لمن يرى أنه قد تضرر من رفع الفائدة، هل قرأت عقدك؟.