تواصل المملكة العربية السعودية دعمها الاقتصادي الكبير لمصر وهو دعم متنوع بين استثمارات مباشرة لدعم قطاع السياحة وقناة السويس وتوفير احتياجات القاهرة من المواد البترولية لسنوات مقبلة وهو ما مثل خير سند و»عمود خيمة» للاقتصاد المصري. واعتبر محللون توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بدعم الاقتصاد المصري خلال الاشهر القليلة الماضية تأكيدا على موقف المملكة الداعم لشقيقتها مصر. ويصل خادم الحرمين الشريفين إلى مصر في زيارة رسمية هي الأولى له تستمر خمسة ايام يلتقي خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي لبحث تطورات الأوضاع بالمنطقة، ويتخللها عقد الاجتماع السادس لمجلس التنسيق المصري السعودي برئاسة رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل، وولى ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ويتم خلالها التوقيع على مجمل الاتفاقيات التي تم التفاهم بشأنها طيلة الاجتماعات الماضية التى عقدت بين مسؤولي البلدين. وقال رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية ابراهيم الغيطاني ل «اليوم»: إن «دعم المملكة السعودية مصر منذ ثورتي 25 يناير و30 يونيو ساهم في استقرار الاقتصاد المصري. المملكة والدول العربية قدموا لمصر 20 مليار دولار، وركزت المملكة مساندتها في دعم الاحتياطي الأجنبي والمشتقات النفطية لحل أزمة الكهرباء ودعم السياحة وغيرها من القطاعات المهمة». وقال ناصر حمدي السفير المصري لدى السعودية: إن «قمة خادم الحرمين الشريفين والرئيس السيسي ستتناول كل الأوضاع في المنطقة والعلاقات الثنائية، وتتوج بالتوقيع على الشكل النهائي للاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين». وأضاف حمدي في تصريحات صحفية: إن «الزيارة ستشهد الاجتماع السادس لمجلس التنسيق المصري - السعودي للتوقيع على كل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بحضور خادم الحرمين الشريفين والرئيس السيسي التي تمخضت عن الاجتماعات المتتالية للمجلس منذ إطلاقه في نوفمبر الماضي، مؤكدا ان مذكرة تشجيع الاستثمار التي تم توقيعها في الرياض والإعلان أخيرا عن حل مشكلة أربعة مستثمرين في مصر عبر لجنة لحل المشكلات تعد تحركات إيجابية، ورسالة واضحة بأن مصر تحل المشكلات وتذلل العقبات وتعطي طمأنينة للمستثمر، لافتا الى أن أي حكومة في العالم تغير سياستها الاقتصادية وفقا للمتغيرات سواء كان باتفاق جديد أو تعاون مع دولة ما وتعمل على إعادة التوأمة الداخلية، كما أن اتخاذ سياسات حكومية مختلفة أمر طبيعي. وخلال المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ في مارس 2015، أعلن كل من: المملكة السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، عن تقديم أربعة مليارات دولار كمساعدات لمصر، لكن السعودية لم تكتف بذلك، إذ أعلنت حزمة استثمارات مليارية أخرى. استثمارات مليارية يقول الاقتصادي ابراهيم الغيطاني: إن المملكة اكبر مستثمر عربي في مصر خاصة في مجالات السياحة والعقارات. وتبلغ قيمة استثمارات السعودية في مصر حوالي 5.7 مليار دولار، وتعد المملكة اكبر دولة عربية مستثمرة في مصر، بما يمثل نحو 27% من إجمالي استثمارات الدول العربية في البلاد. وكان الملك سلمان وجه في ديسمبر الماضي بزيادة استثمارات السعودية في مصر بمبلغ 30 مليار ريال إضافي (نحو 8 مليارات دولار). وذكرت وكالة «واس» السعودية الرسمية، ان الملك سلمان أصدر توجيهات أيضا بالاسهام في توفير احتياجات مصر من البترول لمدة 5 سنوات، إضافة إلى دعم حركة النقل في قناة السويس من قبل السفن السعودية. وأشارت «واس» إلى أن هذه التوجيهات ورد ذكرها في نتائج الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي المصري الذي عقد في القاهرة بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس مجلس الوزراء المصري شريف إسماعيل محمد. دعم قطاع السياحة وتعاني السياحة - وهي قطاع رئيس في الاقتصاد المصري - أصلا عدم الاستقرار السياسي والعنف الذي شهدته البلاد منذ الثورة التي أسقطت حسني مبارك في عام 2011، الا انها تعرضت لضربة قاصمة بعد اسقاط طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء. ولم تحذر السعودية رعاياها من السفر لمصر ومنتجعاتها السياحية كما فعلت عدة دول أخرى، وتواصلت الاستثمارات رغم ذلك. من جانبه، أعلن فهد بن عبدالله العثيم، الرئيس التنفيذي لشركة العثيم للترفيه والسياحة، عن نيته استثمار نحو 300 مليون دولار في القطاع السياحي المصري خلال السنوات الخمس المقبلة عبر إنشاء مجموعة من المراكز الترفيهية في مصر، إضافة إلى افتتاح مركزين أحدهما تجاري، والآخر للترفيه خلال 2016، كل ذلك يضاف إلى الاستثمارات السياحية السابقة للشركة. استثمار نادر في سيناء وتسعى مصر لتنمية شبه جزيرة سيناء المضطربة، معقل الفرع المصري لتنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف الذي ينفذ باستمرار هجمات دامية تستهدف قوات الأمن منذ الإطاحة بمرسي قبل قرابة ثلاث سنوات، إلا ان القلاقل المستمرة جعلت المستثمرين يحجمون عن ضخ أموالهم في شبه الجزيرة التي تشهد هجمات شبه يومية، لكن السعودية دوما كانت «متميزة» في دعمها للاقتصاد المصري. وأعلنت مصر الشهر الماضي أن المملكة العربية السعودية ستساهم بمبلغ 1،5 مليار دولار لتمويل مشروعات تنمية اقتصادية في شبه جزيرة سيناء، في خطوة ترمز إلى استمرار الدعم السعودي البارز لمصر. ووقعت وزيرة التعاون الدولي المصرية سحر نصر «اتفاقية مع الصندوق السعودى للتنمية، بقيمة 1،5 مليار دولار فى إطار مساهمة الوزارة لتمويل مشروع تنمية شبه جزيرة سيناء» حسبما جاء في بيان للوزارة المصرية في منتصف شهر مارس. ويتضمن «المشروع تنفيذ العديد من المشروعات بمحافظتي شمال وجنوب سيناء من بينها إنشاء طريق محور التنمية بشمال سيناء وأربع وصلات فرعية، وإنشاء عدد من التجمعات الزراعية و26 تجمعا سكنيا تشمل منازل ووحدات صحية ومدارس». واعتبر الغيطاني أن دعم المملكة لتنمية سيناء تعاون نوعي مع الجانب المصري لما تشهده سيناء من توتر أمني، حيث قال ل «اليوم «: سيناء تعاني مشاكل في التنمية والبنية التحتية وتحتاج لمشاريع اقتصادية، ورغم عدم اتضاح القدرة على تنفيذ المشاريع في ظل الوضع الأمني، إلا ان المملكة ستقوم بدعم مصر في تنمية سيناء عن طريق إقامة مشروعات صغيرة للشباب والفقراء والبنية التحتية وهذه المشروعات تتجاوز فكرة العائد الاستثماري». فيما قال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي: إن استثمار السعودية هذا المبلغ الضخم في سيناء يعكس «ادراك المملكة أهمية تنمية تلك المنطقة للحد من انتشار الارهاب فيها»، لافتا الى ان بناء مساكن ومصانع ووجود قوة بشرية على أراضي سيناء الغنية بالمواد الخام سيحافظ على التوازن الأمني. دعم اقتصادي في وقت صعب وبلغت المساعدات السعودية عقب ثورة 25 يناير 3.75 مليار دولار، وقدمت على عدة مراحل بدأت ب «500» مليون دولار، خصصت لدعم الموازنة، و500 مليون دولار أخرى في هيئة مساعدات بترولية، وصلت إلى ألف طن، تمثلت في غاز البترول المسال، بالإضافة إلى تأمين احتياجات مصر من البنزين لسد احتياجات محطات الوقود والكهرباء فى ذلك الوقت. وعقب ثورة 30 يونيو، قدمت السعودية لمصر 5 مليارات دولار، ودعمت القاهرة باحتياجاتها الكاملة من البنزين بما قيمته مليار دولار، بجانب زيادة الاستثمارات السعودية فى مصر، التي وصلت - حسب مجلس التعاون المصري السعودي - إلى 30 مليار دولار، تمثلت في استثمارات وتطوير البنية التحتية. وثمن المحلل الاقتصادي المصري مينا بشرى، دور السعودية الداعم للاحتياطي النقدى الأجنبي وتوفير احتياجات مصر من المواد البترولية على مدار السنوات الماضية. وقال بشرى ل «اليوم»: إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وجه يوم 17 ديسمبر الماضي بتوفير احتياجات مصر من المواد البترولية لمدة خمس سنوات، رغم التدني الشديد في أسعار النفط، إلا أن ذلك لم يثن المملكة عن مواصلة الدعم المصري بتوفير المواد البترولية التي ستساهم في حل العديد من المشاكل أبرزها الطاقة. فيما كشف نائب رئيس هيئة البترول المصرية عمرو مصطفى، في تصريحات صحفية، أن مصر ستحصل على منتجات بترولية من بنزين وسولار من السعودية بمعدل 800 ألف طن لمدة 3 أشهر، هي: فبراير ومارس وأبريل، مؤكدا أن القيمة المالية الشهرية تقدر بما بين 400 و 500 مليون دولار لكل شهر. وأوضح بشرى ل «اليوم» انه منذ أحداث الثورة المصرية عام 2011 تواجه مصر مشكلة تآكل احتياطي النقد الأجنبي نتيجة لانهيار السياحة والاستثمار المباشر ما هبط بالاحتياطي النقدي من 36 مليار دولار قبل الاطاحة بمبارك الى 17 مليار دولار الشهر الفائت. الى جانب أزمة توفير الطاقة التي تشكل عبئا كبيرا على الموازنة العامة للدولة - ما يزيد على 100 مليار جنيه تكلفة دعم المواد البترولية خلال العام المالي 2014-2015- خاصة النقد الأجنبي الذي تستورد به المواد البترولية». والسعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم وداعم رئيس، لمصر بجانب الإمارات العربية المتحدة والكويت اللتين قدمتا مع المملكة مساعدات بمليارات الدولارات لمصر بعد ثورة 30 يونيو. دعم ثورة 30 يونيو بدوره قال المحلل الاقتصادي خالد الشافعي ل «اليوم»: «المملكة من الدعائم الأساسية لنجاح ثورة 30 يونيو وساهم هذا الدعم - الذي تبناه الملك عبدالله «يرحمه الله» ومن بعده الملك سلمان - في عبور هذا المنعطف الخطير، فلولا دعم السعودية - بعد فضل الله - للاقتصاد المصري لساءت الأمور». وتوقع الشافعي وضع استراتيجية كاملة للتعاون الاقتصادي السعودي المصري وهيكلة الاستثمارات والتأكيد على الاتفاقيات السابقة بين الجانبين، مؤكدا انه رغم وجود استثمارات سعودية بما يزيد على 5 مليارات دولار وان المملكة اكبر شريك تجاري للبلاد، إلا ان مصر بحاجة إلى ضخ استثمارات اكبر في مجالي السياحة وقناة السويس، وتصدير منتجات مصرية للمملكة. وتبلغ قيمة الاستثمارات المصرية في المملكة، حوالي 1.1 مليار دولار، بما يعادل 26.2% من إجمالي رأسمال 1043 مشروعا من بينها 262 مشروعا صناعيا وحوالي 781 مشروعا غير صناعي. وأوضح الشافعي ان علاقة المملكة الاقتصادية بمصر ليست قائمة على الربح والانتفاع، بل قائمة على الوقوف بجانب أحد اشقائها وقت أزمته، لافتا إلى رغبة الجانبين في الوصول لتكامل تام. تبادل تجاري كبير وبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والمملكة العربية السعودية خلال 8 شهور من العام الماضي 2015 نحو 3673 مليون دولار، منها 2195 مليونا صادرات سعودية الى مصر، و1478 مليونا صادرات مصرية الى المملكة. وقال سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر ومندوب المملكة الدائم لدى الجامعة العربية، عميد السلك الدبلوماسي العربي أحمد بن عبدالعزيز قطان: إن ميزان التجارة بين البلدين لعام 2015 وبالتحديد خلال الفترة من يناير الى سبتمبر الماضيين، سجل فائضا في الصادرات السعودية بلغ قدره 716 مليون دولار، امتدادا للفائض المستمر خلال السنوات الماضية. وحسب بيان للسفارة السعودية بالقاهرة في ديسمبر الماضي، فإن تقريرا إحصائيا أظهر أكبر 12 صنفا من الصادرات السعودية إلى مصر ومنها المنتجات البترولية والبتروكيماويات، والمنتجات الورقية، والأدوية، والألوان والأصباغ،ومدرفلات الحديد والصلب. كما أشار التقرير إلى أكبر 12 صنفا من الصادرات المصرية للمملكة منها الأجهزة المنزلية، كالتليفزيونات، والأسلاك، والكابلات، والأثاث، والبرتقال، والبصل،والأجبان، وغيرها. مشاريع الإسكان تأخذ حيزا واسعاً من الاستثمارات السعودية في القاهرة استثمارات مليارية للمملكة في مصر