قدمت الدكتورة صلوح مصلح السريحي أستاذ الأدب العربي المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي أمس الأول ورقة نقدية بعنوان (عتبات النص - الخطاب المقدماتي عند ابن طيفور) قالت فيها: «تعد المقدمة مدخلاً مهماً لقراءة النص واقتحام عالمه، لكونها خطاباً افتتاحياً موجهاً المُخاطب وإلى الخطاب نفسه، أي إلى النص والمتلقي لخلق علاقة بينهما باعتبارها (وعاء معرفياً وأيدلوجياً) تختزن رؤية المؤلف وموقفه من العالم، وتتيح للكاتب العديد من إمكانيات التعبير والتعليق والشرح، وعلى الرغم من حداثة دراسة المقدمة كجزء من عتبات النص إلا أن أهميتها لم تغب عن العرب القدماء، حيث قال الجاحظ: «إن لابتداء الكتاب فتنة وعجباً». وبينت السريحي ان وظائف المقدمة تختلف وتتعدد باختلاف وتنوع المقدمات، ولكنها تجتمع في وظائف مختلفة منها (التكوينية) وتشتمل على نظرة عامة تدور حول نشأة العمل وأصله والإشارة إلى مراحل تكونه وخلقه وخروجه من عالم الخيال الى دنيا الواقع، ووظيفة (تقويمية) تتمثل في المقدمة النقدية التي تركز على جوانب النص دلالة وشكلا، ووظيفة (توثيقية) تتخذ طابع الشهادة أو تحمل علامة سياقية تشير على سبيل المثال إلى الكاتب أو المتلقي أو تاريخ الكتابة أو مكان التقديم، ووظيفة (تفسيرية) تتولى تفسير العمل الأدبي في ضوء المعطيات المرجعية. ولخصت السريحي ورقتها بقولها: «نلحظ من خلال هذه الدراسة وعي قدماء مؤلفي العرب بأهمية المقدمة، ووظيفتها ودورها في تقريب المسافة بين المتلقي والنص. تمثلت لنا هذه الأهمية من خلال مقدمتي كتاب بلاغات النساء لابن طيفور -المقدمة الذاتية والغيرية- كما تحمل هذه المقدمة وعيا مبكرا ببلاغة المرأة وقدرتها البيانية ولغتها المميزة». وفصلت نتائج ورقتها بأن «المقدمة الذاتية وقد كانت نصاً اختزاليا مكثفاً» ساعد على تقريب المسافة بين النص والمتلقي من خلال إشارات موجزة عن العنوان والمحتوى، وتقديم خبرة قبلية ساعدت المتلقي على تكوين فهم مناسب للنص، وإثارة فضول المتلقي بطرح أحكام ذاتية انطباعية غير معللة تدفعه إلى البحث عن علل لهذه الأحكام». أما المقدمة الغيرية فقد كانت نصاً توثيقياً إشهارياً للإعلان عن قيمة الكتاب ومنهجه ومنزلة مؤلفه ومنهج ناشره، امتازت هذه المقدمة بالواقعية والبعد عن المبالغات فساعد ذلك على جذب المتلقي والتأثير فيه، كما تحمل هذه المقدمة شهادة الآخر التي يصبح بها المتلقي شريكاً للمقدم يقاسمه الرأي والتذوق، وتدفع المشاركة بين المتلقي والمقدم إلى ارتفاع الحس الذوقي عند المتلقي وتأكيده لأن هناك من يشاركه الرأي، كما تثير الأحكام التي أطلقها المقدم عن تفرد الكتاب فضول المتلقي وتدفعه للبحث عن أسباب التفرد والتميز. وتشترك كل من المقدمتين -الذاتية والغيرية- في أن كلا منهما خطاباً قبلياً اسباقياً يقدم أحكاماً انطباعية ولكن تظل عند المتلقي متعة الوصول للاتفاق أو الاختلاف. وشهدت الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور وكان من أبرز الحضور الدكتور سعيد السريحي والناقد علي الشدوي والدكتور عبدالله الخطيب والدكتور أحمد ربيع والدكتورة لمياء باعشن، والدكتورة أميرة قشغري والدكتورة فاطمة الياس وصالح فيضي وسناء الغامدي وغيرهم من الباحثين.