لم يدر في خلد أحد الفلاسفة والمفكرين القدماء - الذين كانوا يتراسلون بأنواع البريد البدائي قبل قرون - أنه سيأتي اليوم الذي يتمكن فيه شخص أن يتحاور مع آخر بشكل مباشر صوتا وصورة حية رغم التباعد الجغرافي، إلا أن يكون ذلك سحرا. فقد كانوا ينتظرون أياما وأسابيع وربما سنوات حتى تصل إليهم ردود ما طرحوه من إشكالات وحوار مع أندادهم، والتي سطر بعضها في كتب لاحقا. لكن التطورات التكنولوجية وتعاظم دور الإنترنت قلب الطاولة وسحر الناس بالفعل. فأكثر من ثلاثة مليارات مستخدم للإنترنت حول العالم يشكلون اليوم أكبر تجمع بشري ويجسدون ما يسمى (القرية العالمية) أو (المجتمع البشري). وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتضيف بعدا جديدا للإنترنت حيث إمكانية التخاطب والتحاور بين الملايين من مستخدميها حول العالم. وتعتبر هذه الوسائل سلاحا ذا حدين في مسألة الحوار. فقد ساعدت على سرعة التواصل بين مختلف الأطراف نصيا وصوتيا وفيديويا وبدون حدود من ناحية العدد بين أشخاص ومجموعات قد تبعد عن بعضها البعض آلاف الكيلومترات بسهولة فائقة. وتستطيع بعض برامج وتطبيقات التواصل والدردشة حتى تنظيم الحوار بين عدد كبير من الناس أفضل من البشر، حيث توجد ميزة لبعضها تمكن مشرف أي غرفة دردشة (مثلا) من تنظيم الحوار آليا حسب أولوية الطلب من المجموعة الملتحقة بالغرفة وذلك برفع اليد (افتراضيا) لطلب المداخلة أو الرد على أحد الأعضاء، كما يمكن عمل ذلك يدويا إن رغب مشرف الغرفة. وتختلف وسائل التواصل من واحدة إلى أخرى في إمكاناتها وقدراتها. فمن الفيسبوك التي تُمكِّن مستخدميها من الكتابة دون حدود في عدد الحروف، إلى تويتر التي تجبرهم على اختصار الكتابة إلى 140 حرفا، إلى لغة الصورة والفيديو القصير في انستغرام، إلى سناب شات وهو الذي يتيح تسجيل فيديو لمدة 10 ثوان فقط. وتزيل بعض وسائل التواصل الاجتماعي بعض العقبات بإضافة إمكانية الترجمة لما يقوله كل طرف في حال تطلب الأمر. وتعتبر إمكانية حفظ فحوى الحوار من أهم الإيجابيات كونه يساعد على انسيابية الحوار وفهرسته (خاصة إذا كان نصيا)، حيث تتلاشى إمكانية تنصل أي طرف مما قاله بوجود أرشيف للحوار. كما سهلت هذه الوسائل على الناس التعرف على أفكار وآراء وثقافات الآخرين حتى غدا العالم يسمى بحق قرية عالمية. وساعدت بعض هذه الوسائل من يريد الحوار في تأسيس جمعيات ونواد افتراضية للحوار من مختلف مناطق العالم كما هو الحال في الفيسبوك وصفحات التويتر وعشرات الآلاف مما يسمى غرف الدردشة والتي ساعدت في الحقيقة في تنمية روح الحوار عالميا. وهكذا فإذا سلمنا بأن (الناس أعداء ما جهلوا) فإن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تذليل الصعاب أمام تعارف المجتمعات البشرية وتحاورها وبالتالي مساهمتها في كسر طوق العزلة عن الكثير من الشرائح الاجتماعية المسحوقة في عالم اليوم، علاوة على إمكانية الاستفادة منها في نشر التآلف والمحبة بين مختلف شعوب وفئات وشرائح المجتمعات البشرية.